تجربته. ولو ـ غيّب عن (١) العاقل اللبيب ، كل أمر عجيب ، مما فطر عليه المفطورون (٢) ، وقصر عن الإحاطة بخبره العالمون ـ لكان فيما طبع عليه في ذات نفسه ، وما يمر به في يومه وأمسه ، من الفقر والغناء ، والسراء والضرّاء ، والشدة والرخاء (٣) ، والأخذ والإعطاء ، والبذل والإكداء (٤) وكثرة السكوت ، وطول الصموت ، والاكثار في المنطق ، والهدوء (٥) وسرعة القلق ، والجد والهزل ، وغلبة الجهل على العقل ـ له أشغل (٦) شاغل عن الفكرة في خلائق الانسان ، وتضاد ما يختلف فيه من الجهل والعرفان ، فالموموق (٧) منها معروف ، والمقلي منها مشفوف (٨). فمن جنح إلى الأقل ، كبح (٩) واستوحل ، وذم غبّ المصدر (١٠) ، وكان من أمره على خطر ، وأندمته آخريته ، لما قد دلته (١١) على علمه أوّليّته ، وليس بحكيم ، من مال إلى الأمر المذموم ، والخيلاء بالفضل ، مجانب لسبيل العقل. ومن جعل غيره لعينه نصبا ، وأظهر على من سواه في شيء من أفعاله عتبا ، وكان الذي فيه لطالب عثرته أعيب ، كان الواجب عليه أن يكون على نفسه أعتب ، لأن من استنكر أمرا من غيره ، يرضى في نفسه بمثله ، فقد دل على جهله ، ومن سها عما يعنيه ، كان ما لا يعنيه أجدر أن لا يؤاتيه (١٢).
__________________
(١) في (ب) : على.
(٢) في (ب) : المفطرون.
(٣) سقط من (ب) و (ج) و (د) : والشدة والرخاء.
(٤) الإكداء : البخل.
(٥) في (ب) : والهزو.
(٦) اسم كان المتقدم في أول الكلام.
(٧) الموموق : المحبوب.
(٨) المشفوف : المنظور إليه.
(٩) كبح : ارتطم في الوحل وهو مستنقع الماء والطين.
(١٠) المصدر : المنصرف.
(١١) في (ب) و (ج) : دله.
(١٢) لا يؤاتيه : لا يطاوعه ولا يستجيب له.