لنفسه بدرئه لذلك عاجل (١) السلوة ، وينف عنها بوادر الشقوة ، ويعاود ما يديم له السرور، ويدفع عنه المحذور ، ولو ألهم نفسه أحسن ما يلهم ، لزاح عنه خواطر الهمم ، ولم يعدم محمود العاقبة وعلو الذّكر في الفئام (٢) ، والصوت الرفيع في محافل الأقوام ، ولأقصر عن شقشقته (٣) ، وشهد بالفضل لمزايل (٤) طريقته ، ولكنه لم يحم أنفه ، وقل عن مزايلة ما تهواه نفسه أنفه ، فامتشجت (٥) الأدواء في آرابه ، واستلبته رصين (٦) آدابه ، فابتغى السلامة من غير جهتها ، والراحة بعد فوتها.
كلا لن يكون فرع من غير أصل ، ولا جود إلا ببذل ، ولا زكاء مخلوق إلا بفضل ، يجشّم (٧) فيه نفسه المجهود ، ويستدعى به لها الثناء المحمود ، ويجنبها الموبقات ، والشهوات المرديات ، وليس من نفس إلا وهي تراود صاحبها على الهوى ، وتدعوه إلى موارد الردى ، فمن (٨) أعطاها زمامه ، أركبته ردعه ، ومن منعها ما تهوى ، فاز بالرغبى. ففي هذا لكم يا بني : بيان ومعتبر ، ومن لم يستظهر (٩) ، بالحزم على مذاق (١٠) الأخلاق ودناءتها ، ويزجر النفس عن شهواتها ، قصر دون رميته ، ولم يدرك الثناء الذي سما إليه بأمنيته.
__________________
(١) في (ب) : يدرك.
(٢) الفئام : جماعة الناس.
(٣) الشقشقة : التفيهق في الكلام والسرد بلا مبالاة ، شبّهه بالبعير الهائج.
(٤) المزايل : المفارق.
(٥) أنفه : كبره. وامتشجت : اختلطت.
(٦) الرصيك : الثابت والمحكم.
(٧) يجشم : يكلف.
(٨) في (ب) : من.
(٩) ركب ردعه إذا سقط على وجهه. اللسان. وفي (ب) : ردغه. تصحيف. وسقط من (ب) و (د) : من. ويستظهر : يستعين.
(١٠) مذاق الأخلاق : سيئها.