الدوائر ، وبحسبك أن يبصرك (١) بالجميل أهل البصائر ، فيشغب (٢) حاسدك ، فيما يرجو أن يهدم به ركنك ، ويمعن في الطعن عليك في كل ندي (٣) مشهود ، ليقبض (٤) المتفوّه فيك بكل أمر محمود ، فينقبض انقباض المحسور ، ولا يجد السبيل إلى التغيير.
وأحذرك يا بني : البغي ، والتهمة والظن ، فإنهما ملصقان ، بكل إنسان ، فلا تجعل لمتهمك إلى تهمتك سبيلا ، ولا تكن في غيرك بما تكره أن يقال فيك قئولا ، وانظر ما كنت به مما يوجد به السبيل إلى الطعن عليك فعولا ، فكن له قاليا وعنه حئولا ، (٥) مع نظرك ، لنفسك. وإن أردت أن تظفر من الدنيا بزينتها وزخرفها ، وعزها وشرفها ، وبالبهاء الذي يستنار به في كل مكان ، والثناء الذي تسير به الركبان إلى جميع البلدان ، فعليك يا بني : بالطاعة التي لا تدفع بالعصيان ، والمحبة المنتشرة بكل لسان ، فاجعل المروءة لك شعارا ، والصيانة لنفسك دثارا ، (٦) فإن من صابرهما ، وألزم نفسه الصبر عليهما ، تغرنق (٧) في الغرانيق العلى ، وتمكّن في قلل الشرف القصا ، (٨) وإن لم يكن ذا غرض من الدنيا.
يا بني : والمروءة غير مبيعة بثمن ربيز ، (٩) ولا حرز حريز ولا مطلب عزيز ، ولو لم يدركها الرائمون ، (١٠) إلا بجزيل ما يطلبها به الطالبون ، لكان ما تعيد وما تبدي ، أجزل منه وأوفر في العواقب والبدي ، (١١) ولو كانت لا توجد إلا في أبعد الأمصار ، أو
__________________
(١) في (د) : ينصرك.
(٢) يشغب : يهيج.
(٣) في (ب) و (د) : كل نادى ندي. والندي : المجلس.
(٤) في (ب) و (د) : لينقبض.
(٥) في (ب) و (د) : رحولا.
(٦) الشعار ما يلي البدن من الثياب ، والدثار ما علا منها.
(٧) تغرنق أي : سما وارتفع إلى مقام رفيع حسن. والغرنوق : طائر أبيض سمّي به لبياضه.
(٨) القلل : القمم. والقصا : جمع قصوى.
(٩) في (ب) : ربين. وفي (د) : رئيز وكلاهما مصحفة. والربيز : أي : الضخم الكثير.
(١٠) الرائمون : الطالبون.
(١١) البدي هنا : بداية الأمر.