واعلم ـ يا بني ـ أنك المشار إليه عند عجلتك ، بما تسمعه أذنك ، فيمن قلّ تثبّته ، وذمّ على ما تكسبه عجلته! فأكثر من العجلة التقيّة ، وعلى نفسك من قبح القالة البقيّة ، وإياك أن يوردك الغضب موارد العطب ، ويشعلك إشعال النار للحطب ، فادفعه بالاحتمال قبل أن يضطرم ، فيهريق الدم ويصم العظم ويسلّ (١) اللحم ، فأخمده قبل أن يتلظى ، فإنه إن استعر بهظك (٢) بهظا ، ثم دفن ما كنت تذكر به من المحاسن ، وأعلن ما كنت تكتمه من المقارن (٣).
واعلم يا بني : أن آفة السلطان ، الجور والتجبر على الانسان ، إياك إن كنت سلطانا أن تستظهر ذنوب (٤) المذنبين ، أو تعاقبهم عقوبة المغضبين ، وإن كنت سوقة فما ذا يضرك (٥) مما يلمزك به الناس من المنطق فيما ترجو به الرفعة ، والعلو بعد الضعة ، وإياك أن تغضب على من دونك ، أو تستصغر من فوقك ، وجد بالفضل على من ناواك ، وبالصفح عمن(٦) عاداك.
واعلم أنه لا بد للمكارم أن تعلو ، وللمحاسن أن تفشو ، من ناشر لها يلبسك هيبتها وجلالها ، ونبلها وجمالها ، حتى ينسم عليك روحها ، (٧) ويشيع لك حمدها ، ويتجلى بها عنك الغماليل ، ويرد بها من (٨) قلبك الغليل.
يا بني : عليك بالحلم فإنه ليس يسمى الرجل حليما حتى يملك نفسه عند الغضب ،
__________________
(١) يصم العظم يقطعه. وفي (أ) و (ج) : ويشل. وهي صحيحة أيضا ، فيسل ويشل هاهنا بمعنى واحد.
السليل هو : الذي تخدّد لحمه وقل.
(٢) بهظك : أثقلك.
(٣) كأنها الخصال السيئة ولم أجدها في معاجم اللغة إلا أن الزمخشري قال في أساس البلاغة :
يقال للرجل عند الغضب : قد استقرنت وأردت ان تتفقأ عليّ. من أقرن الدمل.
(٤) أي : لا تفتش عنها وتبحث حتى تظهر لك. وفي (ب) : بذنوب.
(٥) السوقة : الرعية. وفي (أ) : فما يضروك.
(٦) في (ب) : على من.
(٧) ينسم : يهب. والروح : برد نسيم الريح.
(٨) الغماليل : السواتر المغطية. وفي (أ) و (ج) : عن قلبك.