ولا تطلب جميع حوائج عمرك في يومك ، فيكثر قنطك ويتغلغل (١) صدرك.
يا بني : خاش الجديدين ، (٢) في كلتا الحالتين ، تظفر بإحدى الحسنيين ، اصحبهما بأجمل ما به يصحبان ، وامرر معهما كما يمران ، ولا تصاعبهما فيصاعباك ، ولا تكاشفهما (٣) فيكاشفاك ، بمكروههما ، (٤) وأقلل من معاتبتهما ، وأكثر موادعتهما ، وأطل بالرضى مسالمتهما ، يثلج (٥) من الهموم صدرك ، ويصف لك بلذيذ العيش عصرك ، واحذر عسفهما فإنهما إن عسفاك عجزت ولم تنتصر ، ولم يدافعهما عنك أحد من البشر.
يا بني : ومن كثرت مراقبته ، طالت نعمته ، والنعم أسرع شيء زوالا عن البطر ، (٦) وليس لها عنده مستقر ، وليس يدركها ذو الفظاظة والغلظة إلا بالمحتوم من المقادير.
يا بني : وربما حبي (٧) القاسي الذي ليست من شكله منها بالسرور ، وقد يكون استدراجا للنحرير ، (٨) وسببا للحسرة والوبال ، على المهذب (٩) من الرجال ، فاحجب بينك وبين المحبوب بستر لا تنهتك أطنابه ، (١٠) ولا تنبتك (١١) أسبابه ، وعليك بالصبر عند نفاره ، لكيلا تفجعك فرقته عند إدباره ، لحادث يصرفه عنك ، ويستنزعه (١٢) منك ، فإنّ
__________________
(١) قنطك : يأسك. ويتغلغل : يدخله الغلّ.
(٢) خاش : احذر. الجديدين : الليل والنهار.
(٣) المكاشفة : إظهار العيب المكتوم ، والفضيحة أيضا.
(٤) في (ب) : بمكرهما.
(٥) يثلج : يطمئن.
(٦) البطر : الطاغي في النعمة.
(٧) في (أ) و (ب) : حيّ. تصحيف.
(٨) النحرير : الحاذق الماهر العاقل المجرب.
(٩) المهذب : المخلص ، النقي من العيوب.
(١٠) الهتك : أن تجذب سترا فتقطعه من موضعه ، أو تشق منه طائفة. والأطناب : ما يشد به البيت من الحبال.
(١١) تنبتك : تنقطع. والأسباب : الحبال.
(١٢) من الانتزاع. وضّحت هذا لأن الكمبيوتر ينقط النون والزاي إذا اجتمعا بنقطتين ملتصقتين حتى ـ