يا بني : ألزم نفسك التجمل بترك السؤال ، ما وجدت البلغة (١) بما قل من المال ، فإن رزقك في كل يوم ، يمر بك مقسوم ، والالحاف (٢) في السؤال أمر مذموم ، وبهجة (٣) البهاء معه لا تستقيم ، ولا مروءة لمن لم يكن الصبر له غالبا ، والاحتساب (٤) له صاحبا ، فادخر لنفسك القنوع بما يبلغك المحل وإن قل ، فإن ذلك من شمائل أهل الفضل ، حتى تنغلق عنك أبواب العسرة ، وتنفتح لك بما تحب أبواب الميسرة ، فإن ذا القناعة قد يمنح من الله النصرة ، في الدنيا والآخرة. وأخلق (٥) بذي التأني أن يظفر بحاجته ، وأن يعطيه الله أفضل أمنيته ، مع ما يتطول به عليه (٦) من عونه وكفايته!! ولربّ ملهوف عجّل له غواثه ، (٧) وقل عليه ارتياثه (٨). ولربما أدّب الله عبده بالفقر وابتلاه بالعسر اختبارا ، ليجعل له في عاقبة ذلك خيارا ، يعلي له به ذكرا في الحظ من لدنه ، وهو في ذلك راض عنه! فلا تقطف ثمرة لم يبد لك صلاحها ، ولا تطلب حاجة لم يأن لك نجاحها ، فإنك تذوق معسول الثمرة في إبانها (٩) ، وتظفر بحاجتك عند بلوغ أوانها ، والمنفرد لخليقته (١٠) بالتدبير ، أعلم بالمدة التي يصلح فيه التقدير ، (١١) فاستخر اللطيف الخبير ، يخر لك في جميع الأمور.
يا بني ولا تجعل الدهر يوما واحدا ، فإن مع اليوم غدا ، واطلب حوائجك بددا ، (١٢)
__________________
(١) البلعة : الكفاية.
(٢) في (ب) و (د) : الإلحاح.
(٣) البهجة : الحسن. والبهاء : المنظر الحسن الرائع المالئ للعين.
(٤) الاحتساب : طلب الأجر بالصبر على المصيبة.
(٥) سقط من (ب) و (د) : في الدنيا والآخرة. وأخلق : أي : هو جدير قمين :
(٦) في (ب) و (د) : عليه به.
(٧) غواثه : ما يغاث به.
(٨) ارتياثه : إبطاؤه.
(٩) إبانها : وقتها وحينها.
(١٠) في (ب) و (د) : بخليقته.
(١١) في (أ) : يصلح فيها التقدير.
(١٢) بداد : متفرقة على الأيام.