والعظم مهيضا ، (١) ويستغرق كل يوم من أجزاء الانسان جزوا ، يصيّره به نضوا ، (٢) فما ذا يبقي من الأجسام ممر الليالي والأيام ، وكم ذا يكون صبرها على نوافر (٣) السهام ، فيا أيها ذا الذي دلاه (٤) الغرور بالغرور ، وزيّن له ما يستقبح في عواقب الأمور ، لو هتكت لك مسدلات الأستار ، عما يخترم (٥) منك الليل والنهار ، وما يكرّ به لينجز (٦) ما بقي منك العشيّ والإبكار ، لأمضّك (٧) الجزع وقل منك الاصطبار ، ولأوحشك من الساعات التكرار ، ولكن تدبير من بيده الأقدار ، يعزب عن أن يعلم كنهه بالاعتبار (٨).
يا بني : فاسل بكثير غوائل (٩) الدنيا عنها ، وخذ ما صفي منها ، فإن ضجيعها مغبون ، والراكن إليها مفتون ، والوافر الحظ منها فيها (١٠) محزون ، وهي أقل من كل قليل سماه المسمّون ، وقد عجز عن وصف عيوبها الواصفون ، وقصر عن علم عجائبها العالمون.
تم كتاب المكنون بحمد الله ومنّه وتوفيقه ، وحسن إعانته.
والحمد لله كثيرا بكرة وأصيلا.
* * *
__________________
(١) اللحم العريض : المصاب بمرض. يقال : ناقة عارضة أي : مريضة. ومهيضا : كسيرا.
(٢) نضوا : مشويا.
(٣) النوافر : المفرقة أو المفترقة.
(٤) في (ب) و (د) : أيها ذا. ودلاه : أطمعه.
(٥) المسدل : المرسل المرخيّ. ويخترم : يقطع وينقص. وفي (ب) و (د) : يخرم.
(٦) يكر : يرجع ويعود. ولينجز : ليفني.
(٧) أمضك : آلمك وأحرقك.
(٨) يعزب : يبعد. والاعتبار : الاستدلال بالشيء على الشيء.
(٩) الغوائل : الدواهي.
(١٠) سقط من (ب) : فيها.