يصلح حب الله وحب الدنيا في قلب ، كما لا تصلح العبادة إلا لرب) ، (١) وكان يقول صلى الله عليه (بحق أقول لكم : إن حب الدنيا رأس كل خطيئة ، وكذلك فحب الله ـ ولا قوة إلا بالله ـ فعاصم لأهله من كل سيئة) (٢).
أفيرجو من آثر الدنيا؟! على الله أن يكون مع ذلك لله وليا ، هيهات هيهات أطال من آثر الدنيا ، عنان عمله الغي والهوى ، فجمحت به نوازغ الغي المردي ، وعتت به مطايا الهوى المضل المغوي ، حتى أحلته دار الندامة ولات حين مندم ، ثم أسلمته من الحيرة إلى شر مسلم ، فما ينكشف عنه قناع غرة ، ولا يتيقظ من نوم سكرة ، رانت على قلبه بوادر أعمال السيئة ، وفتن دهره المضلة المعمية ، فقاده أهل الدنيا ، وأعنق (٣) به قائد الهوى ، ومنّته نفسه بالاغترار طول البقاء ، وأسرعت الغفلة في أيامه بالفناء ، وكذبته نفسه في أي (٤). حين وأوان ، وفي أي حال ـ رحمكم الله ـ ومكان ، حين لا رجعة ينالها ، ولا إقالة يقالها ، وعند معاينته الأهوال ، وما لم يخطر له ببال ، من هتك ستور السوءات ، وهو في حال أحوج الحاجات ، إلى ما كان تركه فقرا وبلاء ، وغيره هو الخفض والغناء : (يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِينَ ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ) (١٨) [غافر: ١٨]. (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٤) يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ) (٢٥) [النور : ٢٤ ـ ٢٥]. يوم خافته رجال فمدحهم الله وزكّاهم ، وأحسن على مخافتهم له ثوابهم وجزاهم ، فقال سبحانه فيهم ، وفي حسن ثنائه ـ بمخافتهم له ـ عليهم : (رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ
__________________
(١) نص الإنجيل هكذا : (لا يقدر أحد أن يخدم سيدين ، لأنه إما أن يبغض الواحد ويحب الآخر ، أو يلازم الواحد ويحتقر الآخر ، لا تقدرون أن تخدموا الله والمال). إنجيل متى الإصحاح السادس / ٢٤ ـ ٢٥.
(٢) نص الإنجيل هكذا : (وأما الذين يريدون أن يكونوا أغنياء فيسقطون في تجربة وفخ وشهوات كثيرة غبية ومضرة ، تفرق الناس في العطب والهلاك ، لأن محبة المال أصل لكل الشرور ، الذي إذا ابتغاه قوم ضلوا عن الإيمان وطعنوا أنفسهم بأوجاع كثيرة). رسالة بولس الأولى إلى شيموثاوس / ٩ ١٠.
(٣) أعنقه : أخذه بعنقه ، والمعنقة : قلادة توضع في عنق الكلب.
(٤) سقط من (أ) : أي.