إلى المعرفة فلحقت من المعرفة ما قدرت عليه. ثم تعرف الإيمان ما هو وكيف هو؟ حتى إذا صرت مؤمنا أسلمت للذي آمنت به ، حتى إذا صرت مسلما احتجت أن تطيع للذي أسلمت له (١) ، حتى إذا صرت مطيعا احتجت إلى علم تطيع به ، وتعرف العلم ما هو وكيف هو ، حتى إذا صرت عالما احتجت أن تعمل بما علمت ، ثم تعرف العمل ما هو وكيف هو وما ثمرته ، وإلى ما يوصلك وما عائدة نفعه.
قال الوافد : أيها العالم بيّن لي المعرفة ما هي وكيف هي؟
قال العالم : أما ما هي فإصابة الأشياء بأعيانها ، ووضعها في مواضعها ، ومعرفتها على حقائقها ، وأما كيف هي فإصابة المعاني ، فما من شيء إلا له معنى يرجع إليه ، فإصابة الأشياء بالنظر والتفكر والتمييز والسمع والبصر ، وإصابة المعاني بالتفكر والاعتبار والعقل (٢).
قال الوافد : فما معرفة الله تعالى؟
قال العالم : هو أن تعلم أن الله سبحانه وتعالى واحد أحد فرد صمد ، لا تدركه الأبصار ولا يحويه مكان ، ولا يحيط به علم ، ولا يتوهمه جنان ، ولا يحويه الفوق ولا التحت ، ولا الخلف ولا الأمام ، ولا اليمين ولا الشمال (٣) ، فتعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ، لا يعلم كيف هو إلا هو. فتعرفه بهذه المعرفة ، فما توهمه قلبك فربك بخلافه عزوجل ، وذلك قوله في محكم كتابه العزيز لنبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ (١) اللهُ الصَّمَدُ (٢) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (٣) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) (٤) [الإخلاص : ١ ـ ٤]. فتقول كما أمرت ، وتعمل كما قلت ، وتشهد بما علمت ، وتعمل كما شهدت ، أن الله الواحد القهار الملك الجبار المحيي المميت الحي الذي لا يموت ، خالق كل شيء (ومالك كل شيء ، الكائن قبل كل شيء ، الباقي بعد فناء كل
__________________
(١) في (ج) : إليه.
(٢) ذكر هنا الحواس التي تدرك الأشياء الحسية ، وذكر ما يدرك به المعاني ، فلعل ذكر النظر والتفكر والتمييز فيما يدرك به الأشياء الحسية زيادة من الناسخ. والله أعلم
(٣) في (أ) و (ب) : اليسار.