فهذه الحياة الطيبة. فإذا أردتها (١) فعليك بهذه الخصال ، فلك في ذلك كفاية. وإذا أردت أن تكون من أهل الصدق في الحياة الطيبة ، فابدأ بنفي العادة الخبيثة ، وألبس (٢) نفسك الصبر والخلق الحسن ، (وأزل عن قلبك الذكر الرديء ، ولا تشغل قلبك بغير ذكر الله وطاعته ، وأمت حرارة الشهوة من نفسك ، وليكن الموت عندك أحب إليك من الحياة ، فإن الصالحين من قبلك تعاهدوا (٣) قلوبهم بالحزن الطويل ، والجهد الثقيل ، يريدون بذلك رضى ربهم ، والتقرب إليه ، فإن أحببت أن تسلك طريقهم ، وتقفو آثارهم ، فحول) (٤) نفسك عن الدنيا وزهرتها ، وأدّب نفسك بالجوع ، وأذلها بالفقر ، وأنّبها (٥) بقرب الأجل ، وأبصر بعينيك إلى عرصة القيامة ، حتى كأنك تحاسب فيها ، فحاسب نفسك قبل ورودك إليها ، واقطع نيتك عن كل شغل يشغلك عن الله ، وتأدب بآداب الصالحين (٦) من قبلك ، رموا بقلوبهم نحو خالقهم (وكلما تحولت قلوبهم إلى غيره ، حملوا عليها بالزجر ، ورجعوا إلى مقامهم ، وقصدوا بأبدانهم نحو قلوبهم ، جهدا منهم ، وأيأسوا أنفسهم عن الدنيا وراحتها) ، (٧) وعوّدوا قلوبهم الجهد وكدّوها في طاعة خالقهم ، (٨) حتى عرف الله منهم الصدق فآتاهم الفرج واليسر (٩) من عنده ، وصرف عنهم العادة الردية الخبيثة (١٠).
(فإذا أردت أن تكون مثلهم فغمض عينيك عن الدنيا ، وأختم أذنيك عن أقاويل
__________________
(١) في (ب) : أردت أن تنالها فعليك بمنازعة النفس ومعاداتها ، ومخالفة الهوى فإن في ذلك كفاية.
(٢) في (ب) : فإذا أردت. وفي (أ) : في طلب الحياة. وفي (ب) : فإنك تنفي العادة. وفي (ب) : ولبّس.
(٣) في (ب) : تناسوا. لعلها مصحفة. وما أثبت اجتهاد ، والله أعلم بالصواب.
(٤) سقط ما بين القوسين من (أ). وبدلا منه هذه الفقرة : واترك الذكر الرديء ، ولا تشغل نفسك بغير طاعة وحول.
(٥) في (أ) : وأدبها بالفقر. وفي (ب) : وموتها بقرب.
(٦) في (أ) : وحاسب نفسك قبل ورودك الحساب ، في الموقف العظيم ، فذلك أدب الصالحين.
(٧) سقط من (أ) : ما بين القوسين.
(٨) في (أ) : الله.
(٩) في (ب) : فعند ما عرف الله منهم الصدق والثبات أثابهم بالفرح والسرور.
(١٠) سقط من (ب) : الخبيثة.