الله للهدى ، ونعوذ به من الضلالة والردى ، فكم من ضال مغتر؟! ورد (١) مدمر ، قد غر حياته بالأمل والمنى ، وهو يرى في كل حين الموت والفناء ، يتمنى من بقائه كثيرا ، وقد رأى من أخذ غريرا ، مما لا يحصيه بعدّ ، ولو جهد كل جهد ، فكم رأى في غرته من مأخوذ! وميت بالعراء منبوذ!! يتخالس الطير لحمه تخالسا ، وتتناهشه سباع الوحش تناهشا ، وكم سمع به من ملقى في بحر من البحور للموت؟ يأكل لحمه من ملقى من البحر ما قاربه من حوت ، وكم رأى في الثراء من ملحود؟ متناثرة أوصاله وعظامه بالدود ، وقد نسيه بعد الذكر أهلوه!! وقطعه بعد مودته مواصلوه ، فأغفلوا ذكره فلا يذكرونه إلا قليلا ، وكلهم فقد كان له أهلا وخليلا ، فكأن لم يروه قط حيا في الأحياء معهم!! ولم ينالوا منه ومن كدّه عليهم ما نفعهم!!
فيا ويل من سقط هذا عن ضمير قلبه! وأصر مقيما على الخطيئة بعد علمه به! كيف خسر دينه ودنياه؟! وآثر ضلالته في الحياة على هداه؟! فهلك هلاك الأبد وقد رأى في حياته منجاه ، ودل فيها على نجاته ورداه.
فنعوذ بالله لنا ولك من العماية عن الهدى ، ونعتصم بالله لنا ولك من الهلكة والردى ، فما يردى بعد هداية الله ويهلك بما حذّره الله من المهالك ، إلا كل شقي من الخلق هالك!! فنستجير بالله من الهلكة والشقاء ، بعد منّ الله علينا بالهداية والتقى!
فكم من مهدي لقصده ورشده؟! قد ضل بعد هدايته عن قصده!
وكم من مستمع ومبصر لا يسمع ولا يرى؟! كما قال الله تبارك وتعالى : (وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَسْمَعُوا وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) (١٩٨) [الأعراف : ١٩٨]. وقال سبحانه : (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ) (١٨) [البقرة : ١٨].
يا أخيّ فانظر فيما ذكرت واستمع ، تسعد وتنج بإذن الله وتنتفع ، ولا تك كالذين هلكوا وهم يرون ، أولئك فهم المعترفون بالله المقرّون ، الذين رضوا من حياتهم ، بالتمني في المعاد لنجاتهم ، بما تمنوا غرورا مهلكا ، فقالوا إذ اقترفوا كذبا وإفكا ، وإن كانوا قد
__________________
(١) اسم فاعل من : ردى.