قيل : نعم إذا مسحه حتى ينقا منه أثره ، فقد أجزأه ذلك فيه وطهّره ، وكذلك دم لو خرج من أنفه ، فأخذه بإصبعه أو إصبعين من كفه ، ثم عركه حتى يذهب ريحه وأثره ، كان في ذلك أيضا ما أجزأه وطهره.
وكذلك ما أصاب الثوب من غير مسفوح الدماء ، اكتفى فيه بالعرك والإنقاء ، وإذا ذهب بالعرك أثره ، فهو نقاه (١) وطهره.
فإن قال قائل : فلم لو توجبوا في قليل المني من طهّره بالعرك ما أوجبتم في قليل الدم(٢)؟
قيل : لأن الله سبحانه لم يفرق بين قليل المني وكثيره فيما أوجب من نجاسته في الحكم ، وقد فرق بين قليل الدم وكثيره في حكمه ، بما خص به مسفوح الدم من تحريمه ، فلذلك فرقنا فيه بين الكثير القليل ، (٣) وقلنا فيه بما دلنا الله سبحانه عليه من التنزيل.
ومن سأل عن دماء الخنافس وما يشبهها من الجعلان ، وعن دم الثعابين (٤) والجراد والذبان؟
قيل : هذا كله قل أو كثر ، ليس مما يسفح ولا يسيل وإن هو عصر ، ولا ينجس من كل دم كما قلنا إلا ما سال أو قطر ، ويستحب منه كله ما يستحب من قليل الدم أن يغسل ويطهر ، ولا نوجب منه إن لم يغسل إعادة لوضوء ولا صلاة ، كما نوجب ذلك على من تركه من الأنجاس المسماة ، لأن الله سبحانه لم يسمه كما سماها نجسا ، وإنما استحببنا غسله لأنا نراه وسخا ودرنا ودنسا ، وهذا كله أجمع فلا ذكاة عليه ، وذلك مما يدل على حقيقة قولنا فيه ، لأنه إذا كانت ميتته للطهارة مستحقّة ، كانت أخلاطه كلها كذلك وإن كانت متفرقة ، وكذلك ما قل من الدم حتى يكون في القلة
__________________
(١) عادة الإمام تسهيل الهمزة وهي لغة الحجازيين. فقوله : نقاه ، أصلها : نقاؤه. وكذلك قوله فيما سبق :
لمرة ، أصلها : لمرأة.
(٢) في المخطوط : الدماء. وما أثبت اجتهاد لتوافق السجعة التي تليها.
(٣) في المخطوط : بين القليل والكثير. ولعله سهو من النساخ وما أثبت أوفق لأسلوب الإمام.
(٤) في المخطوط : البعاسير ، ولعلها مصحفة. وما أثبت اجتهاد.