[الفرقان : ٤٤] ، وصدق الله لا شريك له فيما قال به فيهم تشبيها وتمثيلا ، لهم من البهائم ضلالا ، وأقل في الهدى دركا ومثالا ، لأن الأنعام وإن ضلت عن الهدى في الدين ، ولم تدرك شيئا إلا بحاسة من عين أو غير عين ، فهي مدركة لما ينفعها وما يضرها من المرعى ، وليس كذلك الضالّون من أهل العمى ، لأن من عمي في الدين كان أخذه لما يضره فيه أكثر من أخذه لما ينفعه ، وكان ما رآه منه وسمعه كما لم يره ولم يسمعه ، كما قال الله سبحانه لرسوله ، صلىاللهعليهوآله : (وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَسْمَعُوا وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) (١٩٨) [الأعراف : ١٩٨] ، فكفى بهذا فيهم دليلا على ما مثّلهم به سبحانه لقوم يفقهون.
ألا ترون أن البهيمة تجانب ضرها في معاشها وتأخذ نفعها ، وتحسن لصالح مرتعها من المراتع الصالحة تتبعها ، فمن ضل في الدين فهو أعظم ضلالا منها ، وهو فمقصر صاغر في العلم عنها ، فكتاب الله بريء كله من الوهن والتداحض ، نقي في الألباب من كل اختلاف وتناقض ، واضح عند أهله مضيء الايضاح ، بأضوإ في أنفسهم من وضح الايضاح.
ونسخ ما نسخ منه وإبداله ، (١) فمن آيات الله فيه جل جلاله ، لا يأبى ذلك فيه ولا يدفعه ، إلا من لا يفهم الكتاب ولا يسمعه ، إلا بإذنه لا بنفسه ، فأما من سمعه بيقين قلبه ولبه ، فهو مؤمن بأنه من آيات ربه ، لما بيّنا من ذلك وذكرنا ، وأوضحنا فيه ونوّرنا ، والحمد لله على ما فصّل من الآيات ، وبين برحمته من الرشد والهدايات.
فمن عرف بآي وصل الكتاب من فصله ، ومنشأه ومقرّه من منسوخه ومبدله ، سلم بإذن الله من الهلكات ، (٢) واعتصم بمعرفته من الشبه والمضلات ، ومن عمي وتحيّر عن ذلك ، وقع في بحور المهالك ، لا ينجيه من أمواج لجج غورها ، إلا من وهبه الله فهم آياته ونورها ، وعرف بإذن الله المتصل من المنفصل ، والمقرّ المنشأ من المنسوخ والمبدل ، وعلم أن المنسوخ المبدل فيه من الله رحمة لخلقه ، وحكمة منه سبحانه زاد بها في مبين حقه ، إذ صرّف بالتبديل فيه لهم الأقوال ، وضرب به لهم في التفصيل الأمثال ، فقال
__________________
(١) سقط من (ب) : وإبداله.
(٢) في المخطوطتين : الهلكة. ولعلها مصحفة. والصواب ما أثبت.