أن رب العالمين ، فرض مثل الصلاة الخمس على المؤمنين ، أن يصلوا الليل كله ، إلا ـ زعموا ـ أقله. فمنهم من زعم : أنه إنما فرض عليهم ثلثه ، ومنهم من قال : نصفه ، ومنهم من قال : ثلثيه ، جهلا بحق الله ومخالفة للعلم وادعاء عليه.
و (ناشِئَةَ اللَّيْلِ). فهي : الليل كله ، وهي آخر الليل وأوله ، فكان هذا على ما قلنا أيضا دليلا ، لقول الله سبحانه : (إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً) (٦).
ودل أن صلاة الليل قراءة مجهور بها ، يقول : (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً). والترتيل ، فهو : الجهر والتنفيل ، فأما هذّ القرآن فيها ونثره ، فإنا لا نأمر به ولا نستحسنه ، لما ذكرنا من قول الله سبحانه. وقول رسوله ، صلى الله عليه وعلى آله : (لا تنثروا القراءة نثر الدقل). (١) فنحن لا نأمره بذلك في فريضة ولا تنفل.
والدليل على ما أمر به رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من أن هذه الصلوات في الليل فرض لا نافلة ، وأنها فريضة من الله واجبة لازمة ، قوله سبحانه : (وَاللهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ) [المزمل : ٢٠]. فدل قوله سبحانه أقيموا الصلاة ، وتوكيده فيها ـ جل ثناؤه ـ القراة ، على أن ذلك فرض لا نافلة ، وأن ما أمر الله فيها فريضة لازمة ، إذ لم يذكرها عن رسوله تنفلا ، ولا منه صلوات الله عليه تطوعا ، ولا زيادة على ما يجب
__________________
ـ الكلمة مهملة بغير نقط. ومن سوء الحظ أيضا أنها مقطوعة هي وكلمة (القليلة) من نسخة (ب). ولعلها (من الاختلاف في كثيره وقليله وتعيينه). والله أعلم بالصواب.
(١) أخرجه الآجري في حملة القرآن عن ابن مسعود : لا تنثروه نثر الدقل ، ولا تهذوه هذ الشعر ، قفوا عند عجائبه ، وحركوا به القلوب ، ولا يكون هم أحدكم آخر السورة. الإتقان / ١٠٨.
وعن ابن مسعود قال : إن قوما يقرءونه ينثرونه نثر الدقل لا يجاوز تراقيهم. أخرجه الترمذي برقم ٥٤٧ ، وأحمد برقم ٣٨ ، ٥٦ ، ٣٧٧١ ، ٣٧٦٢.
وعنه أيضا وقد قال له رجل : إني أقرأ المفصل في ركعة. فقال : أهذّا كهذ الشعر ، ونثرا كنثر الدقل.
أخرجه أبو داود ١١٨٨ ، والنسائي ٩٩٥ ، والبخاري ٧٣٣ ، ٤٦٥٥ ، بلفظ أهذّا كهذ الشعر فقط.
والدقل : التمر الرديء اليابس.