من الأخبار ، (١) فإنه زور ، وباطل وغرور ، لأن في ذلك من الأنف والفم والمنخرين ، وغيرهما من اللحية والعنفقة والشاربين ، من الوجه وأقسامه ، فحكمهن كلهن في الغسل كأحكامه ، يلزمهن كلهن من الغسل ما لزمه ، إذ جعلهن الله كلهن منه ، فمن ترك منهن كلهن شيا ، لم يكن وضوءه له في صلاة مجزيا ، وكان عليه الإعادة لكل صلاة صلاها ، كما عليه الإعادة لو ترك ناحية من ذراعه فتعداها.
فإذا فرغت من وجهك كله ، وغسل ما أمرك الله به من غسله ، فاغسل يمنى يديك إلى المرفق بيسراهما ، ثم يسرى يديك بيمناهما ، فإذا فرغت من غسل يديك فامسح بيمنى [ويسرى يديك] ، رأسك كله وأذنيك ، ما أقبل منهما وما أدبر ، كما يحلق في الحج ما عليهما من الشعر ، ولأنهما من الرأس حلق ما عليهما من شعرهما ، وكذلك هما فيما هما عليه من المسح كأحكامه ، يلزمهما من المسح ما لزمه ، ولذلك جعلنا أحكامهما حكمه.
وبعد فإذا فرغت من مسح الرأس والأذنين ، فاغسل بعد ذلك القدمين ، تبدأ بيمناهما قبل يسراهما ، غسلا سابغا يستقصى به انقاؤهما ، فإن الله أمر بذلك فيهما ، وحكم بالغسل عليهما ، لقوله سبحانه : (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ) [المائدة : ٦] ، فاغسلوها ، (وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) [المائدة : ٦] فاغسلوها ، فألحقهما بالوجه واليدين في النسق ، وتابع بينهن كلهن جميعا في نسقهن باللّحاق ، ليس بين ذلك كله فرق في فهم ولا تفسير ، إلا ما في اللسان العربي من التقديم والتأخير. فتأويل : (إِلَى الْمَرافِقِ) ، و (إِلَى الْكَعْبَيْنِ) ، فيما جعل الله في اللسان العربي من التبيين ، كقول القائل : وحتى الكعبين ، كما يقول القائل خرجت إلى الكوفة يريد دخلتها ، وصرت إلى مكة ، يعني دخلتها ، فهذه حدود الوضوء ، لكل طرف وعضو ، ليس لأحد من الخلق كلهم أن ينتقصها ، بعد الذي بيّنها الله به من أمرها وخصها ، ومن انتقص من حدودها شيئا ، لم يكن شيئا من وضوءه له في صلاته مجزيا ، ومن قدم منها مؤخرا ، أو أخّر من حدودها مقدما ، لم تجزه طهارته ، ولزمه إذا لم يضع كل شيء منها موضعه إعادته.
__________________
(١) يعني : من أن المضمضة والاستنشاق ليسا بواجبين في الوضوء.