وجهته ولا قصده ، فتبع فيه ضلالته وخسرته وتلدده ، (١) فلم يزدد من الهدى ، إلا نقصا وبعدا ، فهلك وأهلك فضل وأضل عن سواء السبيل ، وخيّم وأقام هالكا متحيرا بين هلكات الأضاليل ، لا يبصر رشده فيه ولا هداه ، مهلكا لمن أطاعه مطيعا لمن أراده ، لا يرى فيه للهدى علما ، ولا يطأ به من رسومه رسما.
فاعرفوا يا بني هديتم لرشدكم ، ما قد حددته لكم ، في كتاب الله من القصد والغرض ، فإن بعض ذلك يدعو إلى بعض ، فمتى تعرفوا يا بني غرض كتاب الله وقصده ، يبذل كل امرئ منكم في طلبه جهده ، ويفز منه بالحظ الأوفر ، متى يظفر منه بالفوز الأكبر ، فيستأنس به من الوحشات ، ويكتفي بعلمه من القماشات ، (٢) التي قمشها في الدين ، فضلّ بها عن اليقين.
من رغب عنه إلى غيره ، ولم يستنر منه بمنيره ، فعمه في ضلالات المضلين غرقا متسكعا ، (٣) إذا لم يكن بكتاب الله مكتفيا ولا عنه مستمعا ، يستفيد الباطل من المبطلين ويفيده ، (٤) معرضا عن حق المحقين لا يطلبه ولا يريده ، راضيا لنفسه بالهلكة من النجاة ، وبالموت الموصول بنكال الآخرة من الحياة ، يعدّ غيّه وعماه بعد رشدا ، وضلالته عن الرشد هدى ، قد زاد غيّه وعماه ، ما أسعده من دنياه ، لما أسلمه الله لجريه (٥) إليه ، بما أمده من ماله وبنيه ، فاستدرجه به من الملأ ، بالعافية من نوازل البلاء ، كما قال تبارك وتعالى فيهم : (أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ (٥٥) نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ) (٥٦) [المؤمنون : ٥٥ ـ ٥٦] (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ) (١٧٨) [آل عمران : ١٧٨]. فغرض كتاب الله المبين ، فإنما هو البيان واليقين.
__________________
(١) التلدد : التحير. والتلفت يمينا وشمالا.
(٢) القمش : الرديء من كل شيء. والقمش : جمع الشيء من هاهنا وهاهنا.
(٣) الغرق : الرسنوب في الماء ويشبه الذي ركبه الدّين وغمرته البلايا. وسكع وتسكع : مشى متعسفا.
وتسكع في أمره : لم يهتد لوجهته.
(٤) في (أ) : ويقتده. مصحفة.
(٥) في (أ) : لخريه.