الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (١٢٥) [النحل : ١٢٥]. وفي مثل ذلك ما يقول رب العالمين ، بعد رسوله عليهالسلام للمؤمنين : (وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) [العنكبوت : ٤٦] ، ذلك (١) لما جعل الله في المجادلة لمن ظلم بالحجة من الدفاع عنهم.
ولفي ذلك والحمد لله قديما ، وإذا كانت الحجة في الله صراطا مستقيما ، ما يقول سبحانه : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتاهُ اللهُ الْمُلْكَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ) ـ ف ـ (قالَ) ـ الملك ـ (أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ) [البقرة : ٢٥٨]. يريد الملك بقوله : أميت وأحيي ، أني أقتل من أردت وأحيي (٢) وأخلي ، فلما ـ حاج إبراهيم الملك بحجته في ربه ، ودعاه بدليل الحياة والموت إلا ما دعاه الله إليه من المعرفة به ، فلم يقر الملك بما عرف ، وأنكر وكابر وعسف ـ احتج إبراهيم صلى الله عليه ، من الحجة بما لا دعوى له فيه ، من إتيان الله بالشمس من مشرقها ، فقطعه إبراهيم بحجة الله ووحيها (٣) ، ثم زاد الحجة عليه تأكيدا ، وقول إبراهيم بحجة الله تثبيتا وتسديدا ، قوله : (فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ). فلما حاجه من الحجة بما يغلب كل مغالب ، كما قال سبحانه : (فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ). وقطعت عليه بحجة الله حجته فيما أنكر ، ولم يجد عندها مقالا ، وكذلك يفعل الله بمن كان عن الهدى ضالا ، كما قال في أمثاله رب العالمين : (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (٢٥٨) [البقرة : ٢٥٨]. ولقد كان في قول إبراهيم ـ صلىاللهعليهوآله : (رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ). وتيقن الملك أنه سيموت ـ ما أغنى كثيرا وكفى ، لو كان الملك بما يعرف مقرا معترفا ، لأن الحياة والموت فعلان موجودان ، وصنعان لا شك في أنهما من الصانع معدودان ، لا ينكر ما قلنا به فيهما من ذلك سامع ، ولا يدعي صنعهما ـ إلا بمكابرة من مدعيهما ـ صانع ، وإذا صحّا وثبتا صنعا وفعلا ، وكان الملك وغيره
__________________
(١) سقط من (ب) : ذلك.
(٢) في (أ) : وأحسن.
(٣) في (أ) : الله وحيها.