عليهما مجبورا محتبلا ، (١) ليس لأحد فيهما صنع ، ولا يمتنع منهما ممتنع ، فلا بد باضطرار من صانعهما وفاعلهما ، ومتولي صنعهما واحتبالهما ، إذا ثبتا صنعا وفعلا ، وكان كل واحد مهما بدعا محتبلا (٢). ولكفى بحجة ـ إبراهيم صلىاللهعليهوسلم بالموت ، إذ لا يقدر أحد منه على فوت ـ حجة وبرهانا ودليلا ، وللمعرفة بالله منهجا وسبيلا ، فكيف بما مع ذلك من دلائل الله وشواهده؟! وبرهان معرفة الله الذي لا يقدر أحد على معدوده؟!!
وفي محاجة إبراهيم عليهالسلام لقومه ، ما سمعتموه في كتاب الله عزوجل من قوله ، عند ما رآه من ملكوت السموات والأرض ، وما دلّه الله (٣) به من بعض ذلك على بعض ، إذ يقول سبحانه : (وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (٧٥) فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي) [الأنعام : ٧٥ ـ ٧٦]. فقال مقيما لقومه وموقفا ، ومحتجا عليهم من الله ومعرّفا ، لا معتقدا لآلهتهم ولا ممتريا ، ولا شاكا فيها ولا عميّا ، قال الله تبارك وتعالى : (فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ) (٧٦) [الأنعام / ٧٦]. وكذلك قوله عليهالسلام : (فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ) (٧٧) [الأنعام : ٧٧]. يقول صلى الله عليه لهم : لئن لم يهدني ربي ويرفعني عنكم ، لأكونن ضالا مثلكم ومنكم ، فلما وقّفهم على الحجة مفاوهة (٤) ، وأثبتها لهم فوقّفهم مواجهة : (قالَ يا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (٧٨) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (٧٩) [الأنعام: ٧٨ ـ ٧٩].
وفيه وفيهم ما يقول الله سبحانه : (وَحاجَّهُ قَوْمُهُ قالَ أَتُحاجُّونِّي فِي اللهِ وَقَدْ هَدانِ) [الأنعام : ٨٠]. يقول صلىاللهعليهوسلم : وقد أراني من آياته ، ودلائل
__________________
(١) المحتبل : الذي نصبت له الحبالة. أي : المصيدة فوقع فيها.
(٢) في (أ) : مجتبلا.
(٣) في (ب) : دله ربه به.
(٤) رجل مفوّه : قادر على المنطق والكلام. والمعنى هنا حاججهم مشافهة ومواجهة.