معرفته ، ما أراني من أرضه وسمائه (١) ، وفطرته لهما وإنشائه ، فنجاني من هلكتكم بجهله (٢) والاشراك به ، وخصّني مع النجاة من هداه لي [باليقين] ، ولو لا هداه لي لعبدتّ كما عبدتم الآفلين ، وكيف يكون [إلها] من أفل ، وزال عن معهود حاله وتبدل (٣)؟!! وفي تبدل الذات والصفات والأحوال ، ما لا يدفع عن المتبدل من الافناء والابطال ، وما بطل وفني ، فخلاف ما دام وبقي ، وما اختلف وتفاوت من الأشياء ، فليس يحكم له ـ إلا من ظلم ـ بالاستواء! فكيف سويتم في معنى ، بين ما يدوم وبين ما يفنى؟! إلا أن تساووا في مقال واحد بين كاذب وصادق ، وكما سويتم فيما تحبون من العبادة وغيرها بين مخلوق وخالق.
وفي ذلك من جور الحكم في العقل والمقال ، ما لا يجهل جوره أجهل الجهال ، بل فيه عن الله أحوال المحال ، وما لا يمكن اجتماعه في حال ، فلما قطعهم صلىاللهعليهوسلم بحجته في مقالته ، خسئوا صاغرين عن منازعته ومجادلته ، فلما صموا عن إجابته بعد الهدى ، هاجر إلى الله سبحانه عنهم مجاهدا ، وقال : (إِنِّي ذاهِبٌ) (٤) إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ (٩٩) [الصافات : ٩٩]. يريد : سيهدين يزيدني بمهاجرتي إليه من هداه فيقويني ، فهداه في هجرته سبيله ، وجعله بهداه له خليله ، فلم يزل صلىاللهعليهوسلم مهتديا ، حتى قبضه الله على هداه ورشده رضيا ، فأجزل له في الهدى والهجرة الثواب والرحمة ، وجعل في ذريته من بعده النبوة والبيان والحكمة ، وأعطاه برحمته وفضله الله رب العالمين ، ما سأله أن يجعله له من لسان صدق في الآخرين ، فبقي في الغابرين بالصالحات ذكره ، وآتاه بذلك في الدنيا أجره ، كما قال أرحم الراحمين : (وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) (٢٧) [العنكبوت : ٢٧]. فنسأل الله الذي
__________________
(١) في (ب) : وسماواته.
(٢) أي : بجهلكم لله.
(٣) في المخطوطتين : وكيف يكون من أفل وزال وتبدل ، عن معهود حاله ولم يتبدل؟ ولعلها مصحفة ، فاجتهدت في إصلاح النص ، والله أعلم بالصواب.
(٤) في المخطوطتين (مُهاجِرٌ) وهي من آية أخرى (مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [العنكبوت / ٢٦].