في الهواء ، بما يترعن من الماء ، وهن السابحات في الهواء سبحا ، كما يسبح في الماء من كان سابحا ، يمينا ويسارا ، وإقبالا وإدبارا ، وهن أيضا السابقات برحمة الله وفضله ، من المطر والغيث غير المسبوقات بإمساك الله للمطر لو أمسكه عن الأرض وأهلها بعدله ، وقد تكون السابقات سبقا ، هي البروق لأن البرق أسرع شيء خفقا ، وأحثه اختطافا وسبقا.
والسحائب أيضا فهن المدبرات بما جعل الله من الغيث فيهن والأعاجيب ، لكل ذي حكمة أو نظر مصيب ، وغيرها إلى يوم يحشرون ، وكذلك البرزخ الذي جعله بين البحرين شارعا ، فهو المحبس الذي جعله الله حاجزا بينهما مانعا ، لكي لا يختلط البحر العذب السائغ للشاربين ، بالبحر المالح الأجاج الذي لا يطيق شربه أحد من الناس أجمعين ، رحمة منه جل ثناؤه للإنسان ، وغيره من بهائم الحيوان ، كما قال سبحانه : (وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنا أَنْعاماً وَأَناسِيَّ كَثِيراً) (٤٩) [الفرقان : ٤٩] ، رأفة ورحمة في ذلك للإنسان وغيره ، وقدرة على إحكام أمره فيهما وتقديره.
٢٩٣ ـ وسألت : عن قول الله سبحانه : (وَالْفَجْرِ (١) وَلَيالٍ عَشْرٍ (٢) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (٣) وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ (٤) هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ) (٥) [الفجر : ١ ـ ٥]؟
والفجر : هو انفجار الليل عن صبحه ، وانفتاقه عن ضوء الصبح ووضوحه ، والليالي العشر وما ذكر الله من الليالي العشر ، هي ليالي ذي الحجة إلى آخرها يوم النحر ، والشفع والوتر من العدد ، فهو كل زوج أو فرد ، وفي ذلك لكل ذي حكمة أو لب ، أعجب ما يتعجب له من العجب ، والليل إذا يسري فهو الليل ، ويسري فهو السير ، والليل فهو يسري ويمضي ، حتى يطلع الفجر ويضيء ، والقسم فهو الحلف والإيلاء ، وذو الحجر فهو من جعل الله له عقلا ، والحجر فهو العقل والنّهى ، واللب والحجا.
٢٩٤ ـ وسألت : عن قول الله تبارك وتعالى : (وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ) [الحجرات : ١١]؟
فقال : الألقاب الأنباز التي يلقب بها بعضهم بعضا ، التي هي خلاف الأسماء التي سمت بها الآباء ، فحرم الله عليهم أن يسمي بعضهم بعضا بالألقاب ، وجعل ذلك حكما مفروضا في الكتاب.