وتأويل (كَفَرُوا) ، فهو لم يشكروا ؛ لأن من لم يشكر الله تبارك اسمه بترك عصيانه ، فكافر وإن كان مقرا ومعتقدا لمعرفة الله وإيقانه ، كإبليس الذي ذكر الله سبحانه معرفته به ، وذكر كفره لما ارتكب من الكبائر بربه ، وكذلك كل من ارتكب كبائر تسخط من أحسن إليه فقد كفره ، ومن أتى ما يرضاه وتولى أولياءه وعادى أعداءه فقد شكره ، ولما جمع أهل الكتاب والمشركين من كبائر عصيان رب العالمين دعوا جميعا كفرة ، وإن كانت قلوبهم كلهم وألسنتهم بالله مقرة ، فقال : (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ) ، تأويل ذلك : أنهم لم يكونوا مقصرين ، ولا تاركين لما هم عليه ، وعاصين لله فيه ، (حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (١)) المنيرة الظاهرة ، فقال : (رَسُولٌ مِنَ اللهِ يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً (٢)) ، ويتلو : يقرأ ويتبع بعد القراءة ما اقترأ ، والصحف : ما صحف ليقرأ ، والمطهرة : ما جعل منها بركة وتطهرة ، وبينات منيرة مسفرة ، وكل مطهر فمبارك وكل مبارك فمطهر له ، وفيه بالله البركة والتطهرة ، وكذلك يقال في الرسول عليهالسلام إذا ذكر بما جعل الله من البركة فيه : رسول الله الطيب الطاهر ، وهو قول الكثير عند ذكره الطاهر ، عند ما يذكره بذلكصلىاللهعليهوآلهوسلم من الصادقين كل ذاكر ، وإنما يراد بذلك المبارك المزكّى ، وليس يراد بذلك طهارته بالماء إذا توضأ.
وكذلك يقال في ابنته فاطمة صلوات الله عليها إذا قيل : الطاهرة إنما يراد بذلك ما جعل من البركة فيها ، ومن ذلك ما وهب لها وجعل لبركتها من بقية رسول الله ونسله ، صلوات الله عليه وعلى آله.
فهذا ـ والله محمود ـ من تأويل الطهارة ومطهرة ، ومن وجوهه المعروفة غير المستنكرة ، لا يجهل ذلك ـ إن شاء الله ـ ولا ينكره ، من يعرف لسان العرب ويبصره.
وتأويل (فِيها كُتُبٌ قَيِّمَةٌ (٣)) ، هو كتب منيرة بينة محكمة ، لها نور وبرهان واحتجاج ، ليس فيها اختلاف ولا اعوجاج ، ثم ذكر الله (١) سبحانه ما ذكرنا من
__________________
(١) سقط من (أ) : الله.