ثم قال سبحانه في دينه وصفته : (وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (٥)) ، تأويل ذلك : أن كل ما أمر به فمن الأمور المرشدة الهادية المستقيمة.
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نارِ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أُولئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (٦)) ، فالذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين بالله ، مع إقرار الفريقين بالربوبية لله ، فهم كما قال الله : (شَرُّ الْبَرِيَّةِ) ، بما كان منهم على الله من الدعوى المبطلة المفترية ، والبرية : فما ذرأ الله وبرأ ، مما يرى من الخلق كله أو لا يرى. ونار جهنم : فهي النار التي لا يعرف في النيران مثلها ، ولا يعلم منها كلها مشبها لها ، فيما عظم الله من نارها ، وحر استعارها.
وتأويل (خالِدِينَ) ، فهو : غير فانين ولا بائدين ، كما قال سبحانه : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها كَذلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (٣٦)) [فاطر : ٣٦] ، فنار جهنم : هي النار المستعرة التي ليس لاستعارها أبدا من انكسار ولا فتور ، ولو فترت من استعارها والتهابها ، لكان في ذلك تخفيف عن أهلها من عذابها.
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (٧) جَزاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (٨)) فمن آمن : فهم المؤمنون من كبائر العصيان ، والذين لا يخافون على ارتكاب زور ولا بهتان ، ما ثبت لهم أبدا اسم الإيمان ، وحكم أهل الهدى والبر والإحسان.
والصالحات من الأعمال ، فهي كل صالح عند الله من قول أو أفعال ، وجزاؤهم ، هو ثوابهم من الله وعطاؤهم.
وتأويل (جَنَّاتُ عَدْنٍ) ، هو : جنات مستقر وأمن ، وتأويل (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ) ، هو : رضى الله سبحانه لهم ، (وَرَضُوا عَنْهُ) فتأويل رضاهم ، فهو بما أعطاهم وجزاهم ، بأنهم لم يزالوا راضين عنه ـ جلّ ثناؤه ـ في دنياهم ، قبل مصيرهم إلى ما صاروا.
ثم أخبر سبحانه لمن جعل جزاه ، فقال : (ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ) يعني : لمن