ولكن الإيمان بحصر التدبير في الله لا ينافي وجود عوامل أُخرى مؤثرة تدبر الكون ، بأمر من الله سبحانه ، فانّ هذا التدبير الظلي التبعي في طول تدبير الله سبحانه ، ولأجل ذلك ينسب الله تعالى توفّي الأنفس إليه ويقول : ( اللهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا ) (١) ، ولكنّه في الوقت نفسه ينسبه إلى الملائكة تارة وملك الموت أُخرى ، ويقول : ( الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ المَلائِكَةُ ) (٢) ويقول سبحانه : ( قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ المَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ ). (٣)
فهناك فعل واحد نسب إلى فواعل ثلاثة ، تارة إلى الله ، وأُخرى إلى الملائكة ، وثالثة إلى ملك الموت ، فالفعل واحد والفواعل متعددة ، لأنّ فعل الجميع هو فعل الله سبحانه بالتسبيب.
وترى نظير ذلك في قوله سبحانه : ( وَاللهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ ) (٤) حيث ينسب الكتابة إلى الله ، وفي آية أُخرى ينسبها إلى الرسل ، ويقول : ( أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بَلَىٰ وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ ). (٥)
وتتجلّى تلك الحقيقة في الآيات التالية الواردة في الموت والحياة ، يقول سبحانه : ( إِنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللهِ مِن وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ ) (٦) ، ويقول : ( وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا ) (٧).
ويقول أيضاً : ( نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ المَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ ) (٨).
__________________
١. الزمر : ٤٢.
٢. النحل : ٢٨.
٣. السجدة : ١١.
٤. النساء : ٨١.
٥. الزخرف : ٨٠.
٦. التوبة : ١١٦.
٧. النجم : ٤٤.
٨. الواقعة : ٦٠.