فخلاصة القول : إنّ فعله سبحانه يوصف بالعدل لا بالجور والظلم ، وعليه فمقتضى حكمته أن يتعامل مع العباد بالعدل.
هذا من جانب ، ومن جانب آخر انّ عباده أمام تكاليفه علىٰ صنفين ، مطيع وعاص ، فيتصور بادئ الأمر أربعة احتمالات :
الف. أن يُثيب الجميع.
ب. أن يُعاقب الجميع.
ج. أن يغض النظر عن إثابتهم أو عقابهم.
د. أن يثيب المطيع ويعاقب العاصي.
والاحتمالات الثلاثة الأُول من الوهن بمكان ، لأنّها تناقض العدل ، فالتسوية بين المطيع والعاصي سواء أكانت بإثابة الجميع أو عقابهم كذلك أو تركهم سدى يعد ظلماً وجوراً ، وهو أمر قبيح ، وفعله سبحانه نزيه عنه ، فيتعيّن الاحتمال الرابع.
وبتعبير آخر : انّ التسوية بين العباد سواء أكانت بشكل إثابة الجميع أو عقوبتهم أو تسويتهم إنّما يتجه إذا كان الجميع سالكاً طريقاً واحداً من سبيلي الإطاعة والعصيان ، فلو أطاع الجميع لكانت إثابتهم نفس العدل ، ولو عصوا لكانت عقوبتهم كذلك ، كما أنّ له سبحانه أن يتركهم سدىٰ ، وأمّا إذا كانوا مطيعين فلأنّ الثواب تفضّل من الله سبحانه فله أن لا يتفضل وليس بحقّ عليه ، كما أنّ عقوبتهم حقّ فله أن يتغاضىٰ عن حقّه.
إنّما الكلام فيما إذا كان العباد على صنفين بين مطيع وعاص ، فالتسوية في هذه الصورة سواء أكانت بصورة إثابة الجميع أو عقوبتهم ، أو تركهم سُدى ظلم قبيح على الله سبحانه ، فلا محيص عن التفريق بإثابة المطيع ومعاقبة العاصي.