والثاني صراط الكافر ، والأوّل بما أنّه يوافق الفطرة صراط مستقيم ، والثاني بما انّه يخالفها صراط معوج ، فيثبت قدم المؤمن في الأوّل لاستقامته ، ويزل قدم الكافر لإعوجاجه.
هذا هو الذي استظهره المفيد من الروايات وهو أمر لا بأس به وإن اعترض عليه المجلسي ، بما هذا مثاله : لا ضرورة تلجئنا إلى تأويل الظواهر الشرعية الدالة على أنّ للصراط واقعية يوم القيامة وانّها حقيقة أدق من الشعرة وأحد من السيف مالم تكن هناك ضرورة في التأويل. (١)
ونحن نوافق المجلسي في أنّه ليس لنا تأويل الظواهر ما لم يكن هناك قرينة على التأويل ولكن ما ذكره المفيد ليس تأويلاً بلا قرينة ، والشاهد عليه أنّ هذه الجملة : « أدق من الشعرة وأحد من السيف » مثل يضرب للأُمور المستصعبة ، كما أنّه ورد في الروايات انّ الصراط على المؤمنين عريض وعلى المذنبين دقيق وانّه سبحانه يجعله كذا وكذا. (٢)
مع أنّ ظاهر الروايات الأُخرى انّ الصراط واحد وانّ الجميع يؤمرون بالاجتياز دون اختلاف في العرض والطول.
والذي يؤيد ما ذكره الشيخ المفيد هو أنّ بعض الآيات تدّل علىٰ أنّ الحياة الأُخروية حقيقة للحياة الدنيوية وواقعها ، وانّ الحياة الدنيوية لها ظاهر وباطن ، تتجلّىٰ في الآخرة بباطنها وفي هذه الدنيا بظاهرها ، يقول سبحانه : ( يَوْمَ تَرَى المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ يَسْعَىٰ نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) (٣) والآية ظاهرة في أنّه ليس للنور منشأ سوى وجودهم فكأنّهم بأيمانهم تشع نوراً ويمشون علىٰ ضوء
__________________
١. بحار الأنوار : ٨ / ٧١ ، باب ٢٢ من كتاب العدل والمعاد.
٢. بحار الأنوار : ٨ / ٦٧ ، الحديث ٨.
٣. الحديد : ١٢.