وعلىٰ كلّ حال فالآية صالحة للاستدلال لا على وجه يفيد القطع واليقين.
وثمّة نكتة أُخرىٰ وهي انّه ربما تطلق الجنة والنار ويراد منهما الجنة والنار البرزخيتان لا الجنة والنار الأُخرويتان ، فلا يصحّ الاستدلال بخلقة الأُولى علىٰ خلقة الثانية ، وإليك نماذج من تلك الآيات :
أ. يحكي سبحانه عمّن جاء من أقصى المدينة مؤيداً لرسل عيسى عليهالسلام ، وقال : ( وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى المَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَىٰ قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا المُرْسَلِينَ ). (١)
وحاول القوم الكافرون المنكرون لرسالة المسيح ضربه وقتله إلى أن وصلوا إلى أمنيتهم فقتلوه ، وعندئذٍ أُمر بالدخول في الجنة ، وقد حكاه سبحانه بقوله : ( قِيلَ ادْخُلِ الجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ المُكْرَمِينَ * وَمَا أَنزَلْنَا عَلَىٰ قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِن جُندٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ * إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ ). (٢)
ودراسة سياق الآيات يثبت بأنّ المراد من الجنة هي الجنة البرزخية ، والتي منها بلّغ هتافه لقومه وقال ما قال.
ب. ( النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ). (٣)
والمراد من النار هي النار البرزخية لقوله في ذيل الآية : ( وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ ) وعلى ضوء ذلك فلا يصحّ لنا الاستدلال بلفظ الجنة والنار على الإطلاق بل لابدّ من إمعان النظر ليعلم ما هو المراد منها.
__________________
١. يس : ٢٠.
٢. يس : ٢٦ ـ ٢٩.
٣. غافر : ٤٦.