حاجة إلى إثبات وقوعه ، مع وجود الدليل على الوقوع أيضا ، وذلك لأن جميع الطرق المعتبرة شرعا طرق عقلائية ، بنوا على العمل بها ، وعاملوها معاملة القطع ، والشارع أمضى بنائهم ، وليس شيء منها تأسيسا من الشارع ، وهذا ظاهر من مراجعة العرف في معاشرتهم ، فلا يعذر عندهم العبد المخالف لظاهر كلام مولاه مثلا معتذرا بعدم حصول القطع له بالمراد من الظاهر ، بل يرونه مستحقا للعقوبة ، وعليه فلا بد وأن يكون المجعول الشرعي في موردها بعينه ما تعلق به بناء العقلاء ، ومن الواضح انهم لم يبنوا على جعل حكم تكليفي في موارد قيام الأمارة ، وإنما بناؤهم على المعاملة معها معاملة القطع الوجداني ، والشارع أمضى ذلك البناء ، فليس المجعول فيها إلّا المحرزية والوسطية في الإثبات.
وبهذا ظهر ما في كلام المحقق الخراسانيّ حيث ذهب إلى أن المجعول في الطرق هو المنجزية والمعذرية. وقد ذكرنا فيما تقدم ان قبح العقاب بلا بيان وحسنه مع البيان من الأحكام العقلية غير القابلة للتخصيص ، فالتصرف فيه لا بد وأن يكون في الموضوع ، فبعد ما اعتبر الشارع صفة الطريقية لشيء يترتب عليه التنجيز والتعذير لا محالة.
وبما بيناه ظهر الحال في موارد الأصول المحرزة ، إذ المجعول فيها أيضا هو الطريقية في الإثبات لكن لا من تمام الجهات كما كان في الأمارات ، بل من حيث الجري العملي فقط ، فهي قطع من تلك الناحية ، فاختلافهما يكون ببعض الآثار ، ولا ينافي ذلك كون الشك مأخوذا في موضوعها. نعم هذا المقدار من الاختلاف يوجب حكومة الأمارات عليها ، ويدل على ما ذكر مضافا إلى ظاهر أدلتها ، وانه لا يستفاد منها ثبوت الحكم التكليفي ، انها أيضا طرق عقلائية أمضاها الشارع ، غاية الأمر انه تصرف فيها بتصرفات ، واعتبر فيها أمورا لم يعتبرها العقلاء ، فإشكال اجتماع الضدين في مواردها أيضا يكون من السالبة بانتفاء الموضوع.