الخلاف فلا محالة عند قيامها يجتمع الحكمان الفعليان ، فيلزم اجتماع الضدين. واما لو كان مقيدا بذلك فلا محالة عند قيامها لا يكون الحكم الواقعي ثابتا ، لا الفعلي منه بعدم تحقق قيود الموضوع ولا الإنشائي فانه إنما يثبت لمن يكون الحكم بالنسبة إليه فعليا ، وحينئذ يلزم التصويب. وبالجملة لا بد وأن يكون الحكم الواقعي حكما حقيقيا مولويا بعثا أو زجرا ، فلا يرتفع التضاد بين الحكمين بهذا التصوير.
ومنها : ما ذكره المحقق النائيني رحمهالله (١) وقد فرق بين موارد الأمارات التي لم يؤخذ الشك فيها ، وموارد الأصول المحرزة التي أخذ فيها الشك وكانت ناظرة إلى الواقع بإلغاء جهة الشك ، وموارد الأصول غير المحرزة التي هي وظائف عملية للشاك ، اما تنجيزا للواقع كالاحتياط ، واما مؤمنا عنه كالبراءة.
وأجاب عن كل مورد من الموارد الثلاثة بخصوصه. اما باب الطرق والأمارات فذكر ان المجعول فيها إنما هو مجرد الوسطية وتتميم الكشف ، إذ ليست الأحكام الوضعيّة منتزعة من الأحكام التكليفية كما قيل ، بل هي مما تنالها يد الجعل ابتداء ، وربما يكون الحكم التكليفي من آثارها المترتبة عليها ، نظير حلية التصرف المترتبة على الملك ، فللشارع أن يعتبر الكاشف الناقص قطعا ، فكأنه يخلق بالتعبد صنفا آخر للقطع ، فيكون هناك قطع حقيقي وقطع تعبدي ، ويترتب على الثاني كلما هو مترتب على الأول من الآثار من لزوم متابعته عقلا بالمعنى المتقدم وغير ذلك ، وعليه تكون مخالفة الطريق للواقع كمخالفة القطع له ، فكما لا يتوهم لزوم التضاد فيه لا يتوهم في المقام أيضا. وبالجملة ليس في موارد الطرق والأمارة حكم تكليفي حتى بعنوان وجوب موافقتها ليلزم اجتماع الحكمين.
وليعلم ان مجرد إمكان كون المجعول فيها ذلك كاف في دفع الشبهة من غير
__________________
(١) فوائد الأصول : ٣ ـ ١٠٥ ـ ١١٢.