عدم الاعتناء باحتمال صدور الكلام لغير بيان المراد الواقعي من تقية وسخرية ونحوهما. واما أصل الصدور فالمتكفل له هذه المسألة ، فيبحث فيها عن ان صدور السنة ، وهي قول المعصوم أو فعله أو تقريره ، يثبت بخبر العادل أو لا؟
وما أفاده لا يمكن المساعدة عليه ، فان الثبوت الّذي أشار إليه لا يخلو اما أن يكون ثبوتا واقعيا أو تعبديا ، وإرادة الثبوت الواقعي منه بديهي الفساد ، ولا يمكن اسناده إليه ، سواء كان خارجيا أو ذهنيا ، اما الثبوت الخارجي فلأنّ الخبر حاك عن السنة ، وكيف يعقل أن يكون الحاكي من علل تحقق المحكي ، واما الذهني بمعنى التصديق فهو انما يتحقق فيما إذا كان الخبر قطعيا ، وخبر الواحد لا يفيد ذلك. واما الثبوت التعبدي فلا معنى له سوى تنزيل الخبر منزلة السنة في وجوب العمل به ، ومن الواضح ان البحث عن ذلك بحث يعرض على الخبر لا عن عوارض السنة إلّا بالالتزام ، ولا بد في المسائل الأصولية ان تكون بمدلولها المطابقي بحثا عن عوارض الموضوع.
وقد وجه بعض أعاظم مشايخنا قدسسره كلام الشيخ رحمهالله بما حاصله : ان كل تنزيل يستدعي وجود منزل ومنزل عليه وجهة التنزيل ، والمفروض في المقام ان المنزل هو الخبر ، والمنزل عليه هي السنة ، وجهة التنزيل وجوب العمل به ، فكما يمكن أن يبحث عن تنزيل الخبر منزلة السنة فيكون البحث عن عوارضه ، كذلك يمكن ان يبحث عن كون السنة منزلا عليها فيكون البحث عن أحوالها (١).
وفيه : أولا : ان متعلق غرض الأصولي انما هي الجهة الأولى ، واما الجهة الثانية فلا يبحث عنها الأصولي.
وثانيا : ان أصل المبنى غير تام ، لما مر من أنه لا تنزيل في باب جعل الحجج
__________________
(١) نهاية الدراية : ٣ ـ ١٩٩.