واما الخبر الموثق والحسن فيستفاد حجيتهما من الآية بوجهين.
الأول : دعوى شمول المفهوم لهما ، بتقريب : ان الموضوع فيها بمناسبة الحكم والموضوع هو الفاسق من حيث عدم تحرزه عن الكذب ، لا من الحيثيات الأخر كشربه الخمر وعدم العدالة في القسمة بين الزوجات وعدم الإنفاق عليهن إلى غيرها ، فان هذه الأمور أجنبية عن التبين عن خبره ، فكأن الموضوع من لم يتحرز عن الكذب ولو كان فاسقا.
وهذا الوجه وإن كان لا بأس به ، لكن الاعتماد عليه مشكل ، فإنّ الفاسق الموثوق به وإن كان مأمونا في نوع اخباره ، إلّا أنه لا وثوق بصدقة في خصوص خبره الّذي هو محل الابتلاء بالعمل على طبقه ، إذ ربما يكون ارتكابه لبقية المعاصي موقعا له في الكذب ، بخلاف العادل فان كذبه مناف لعدالته ، فهو مأمون من الكذب ، وعليه فتحرز الفاسق نوعا عن الكذب لا يكفي في حجية خبره بعد احتمال كذبه في خصوص خبر من أخباره.
اللهم إلّا أن يقال : إن موضوع وجوب التبين في الآية إنما هو خبر الفاسق مع قطع النّظر عن خصوص خبره ، فمفهومها عدم وجوب التبين عن خبر العادل مع قطع النّظر عن خصوص خبره ، المحتمل صدقه وكذبه ، فإذا فرضنا ان المراد بالفاسق بمناسبة الحكم والموضوع من لم يتحرز عن الكذب دلت الآية على وجوب تصديق اخبار من كان متحرزا عن الكذب في نفسه وان احتمل كذبه في خصوص خبره هذا.
ويمكن ان يقال : ان ظاهر الآية المباركة تعليق وجوب التبين على كون المخبر فاسقا ، ومن المحتمل أن يكون عدم تحرز الفاسق عن الكذب نوعا حكمة لإيجاب التبين عن خبره مطلقا ولو كان المخبر بخصوصه مأمونا من الكذب ، وعليه فلا تدل الآية على حجية خبر الموثق إذا كان فاسقا.