ومنها : آية الذّكر ، وهي قوله تعالى (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)(١) وفي آية أخرى (بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ)(٢). وتقريب الاستدلال بها واضح.
وأورد عليه الشيخ رحمهالله بان أهل الذّكر ظاهر في العلماء (٣) ، وحجية قولهم لا تستلزم حجية خبر الراوي.
وأجاب في الكفاية (٤) بأن أغلب الرّواة في الصدر الأول كانوا فقهاء ، وإذا ثبت حجية قولهم بالآية يثبت حجية اخبار غيرهم أيضا بعدم القول بالفصل.
وفيه : أنه لا ملازمة بين حجية قول الفقيه بما هو فقيه وحجية خبر الواحد ، ويحتمل وجود القائل بالتفصيل.
فالأولى في الجواب ان يقال : ان المراد من أهل الذّكر وان كان هم العلماء إلّا ان لكل علم أهل بحسبه ، فالرجاليون أهل علم الرّجال ، والفقهاء المجتهدون أهل علم الاستنباط والفقه ، وأهل علم الرواية والحديث هم الرّواة المحدثون ، إما مطلقا أو إذا فهموا منها المراد ، فتعم الآية اخبارهم بما انهم رواة لا بما هم فقهاء ، فهي تدل على حجية قول الراوي اما مطلقا أو في خصوص ما إذا كان عارفا بمعناه ، ويثبت حجية اخبار غيره من الرّواة الّذي لا يفهمون معنى الحديث بعدم القول بالفصل.
ويرد على الاستدلال بالآية على حجية خبر الواحد ان ظاهر تعليق الأمر بالسؤال على عدم العلم ان الغاية منه حصول العلم بالجواب ، ولا أقل من الاطمئنان ، ونظير ذلك أن يقال : ان كنت لا تدري الأمر الفلاني فاسأل العارف به ، فان المفهوم منه حصول العلم بجوابه ، لا التعبد بقوله ، فلا دلالة فيها على حجية الخبر
__________________
(١) الأنبياء : ٧.
(٢) النحل : ٤٣.
(٣) فرائد الأصول : ١ ـ ١٨١ (ط. جامعة المدرسين).
(٤) كفاية الأصول : ٢ ـ ٩٥ ـ ٩٦.