وفيه : أولا : ان مورد إحدى الآيتين لا يقاس بالآخر ، فان طريق إحراز ما في الأرحام منحصر بإخبارهن ، ولولاه لكان ذلك أمرا خفيا ، وهذا بخلاف ما نحن فيه ، فان تحريم الكتمان فيه إنما هو في شأن علماء اليهود ، الذين أخفوا على الناس ما كان ظاهرا بينا جاء به التوراة من صفات النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وبعثه وأحواله ، كما أخفى بعض أصحاب النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أمر الغدير مع وضوحه بين المسلمين في نفسه ، فالغرض من تحريم الكتمان انما هو وضوح الحق وظهوره لعامة الناس بإخبارهم ، لا مجرد التعبد بقولهم كما هو المطلوب. ومما يشهد لورود الآية في حرمة ستر ما هو ظاهر في طبعه قوله سبحانه في ذيلها (مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ) أي أظهرناه لهم ، فلا ربط لها بوجوب العمل بالخبر الّذي هو إظهار ما هو خفي في نفسه.
وثانيا : ان موضوع حرمة الكتمان في الآية عام استغراقي ، فيحرم الكتمان على كل واحد واحد منهم ، وربما يحصل من اخبار جميعهم القطع ، كما يحصل من الخبر المتواتر ، وعليه فيحتمل أن يكون ذلك ملاك حرمة الكتمان ، فلا ملازمة بينها وبين وجوب القبول ، كما كانت في آية حرمة كتمان النساء.
فان قلت : ان مقتضى إطلاق الآية حرمة الكتمان ولو مع تيقن المخبر بان إخباره لا يفيد القطع للسامعين ، ولا ينضم إلى خبره اخبار غيره ممن يكتم اخباره ، فيدل على وجوب القبول بالملازمة.
قلت : ان المصلحة النوعية الداعية للتكليف لا يلزم ان تكون سارية في جميع الموارد ، ولا يلزم الاطراد في الحكمة ، ولذا تجب العدة على المطلقة ولو كانت عقيما ، مع ان الحكمة في تشريع العدة عدم اختلاط المياه ، وكذلك يجب على الشاهد أن يشهد عند الحاكم إذا طلب منه الشهادة ولو علم بعدم انضمام الشاهد الثاني إليه ، مع ان حكمة وجوب الشهادة حفظ حقوق الناس.