وثانيا : لو سلمنا كونهما من الأمور الواقعية الثابتة في نفس الأمر ، وقد كشف الشارع عنهما ، فلا نسلم كون الشبهة فيهما مصداقية ، فان ضابط الشبهة المصداقية أن يكون المرجع فيها إلى العرف لا إلى الشارع ، ولا إشكال في أنه لا بد من الرجوع إلى الشارع عند الشك في نجاسة ما وقع الخلاف في طهارته ونجاسته ، كالعصير العنبي إذا غلا ، وعرق الجنب من الحرام وأمثالهما. وبالجملة كل ما يكون بيانه من وظائف الشارع فالشك فيه من الشبهة الحكمية ، ولا ريب أن الشك في الطهارة والنجاسة من هذا القبيل ، فلا فرق من هذه الجهة بين قاعدة الطهارة وأصالة البراءة.
فالصحيح : ما عرفت من ان قاعدة الطهارة من المسائل الأصولية ، وانما لم تذكر فيها لما بيناه ، ومع قطع النّظر عن ذلك فالأولى أن يقال : ان الشك تارة : يكون في الحكم التكليفي فيجري فيه الأقسام الأربعة المتقدمة ، وأخرى : يكون في الحكم الوضعي. وعلى الثاني فان كان المشكوك طهارة شيء ونجاسته فهو مورد لقاعدة الطهارة أو الاستصحاب ، وان كان غير ذلك فلا يجري فيه شيء من الأصول غير الاستصحاب.
ثم ان شيخنا الأنصاري (١) رحمهالله قسم الشك في التكليف إلى ما كان منشؤه عدم النص ، أو إجماله ، أو تعارض النصين ، أو الأمور الخارجية. وعلى كل منها فتارة : تكون الشبهة وجوبية ، وأخرى : تحريمية ، فالأقسام ثمانية ، تكون الشبهة في قسمين منها موضوعية ، وفي الباقي حكمية. والوجه في هذا التقسيم مضافا إلى ان الخلاف المعتد به قد وقع في بعضها دون بعض ، اختصاص بعضها بدليل خاص كالشبهة التحريمية الوارد فيها قوله عليهالسلام «كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهي» (٢) وقوله عليهالسلام «انما
__________________
(١) فرائد الأصول : ١ ـ ٣٥٦ ـ ٣٥٧ (ط. جامعة المدرسين).
(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ ـ ٣١٧ ، ح ٩٣٧ (ط. جامعة المدرسين).