تعالى (وَما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ)(١) وقوله عزّ شأنه (ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ)(٢) وقوله سبحانه (ما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ)(٣) إلى غير ذلك ، فالمعنى أن التعذيب قبل البيان لا يليق بالله تعالى ، ولا يناسبه جل شأنه ، ولا يفرق حينئذ بين العذاب الدنيوي وغيره.
وبهذا البيان يندفع الإشكال الثاني على الآية ، وهو ان المنفي فيها إنما هو فعلية العذاب لا استحقاقه ، مع ان محل الكلام بيننا وبين الأخباريين هو الثاني ، وذلك لأن لازم عدم مناسبة العذاب قبل البيان وعدم كونه لائقا ان لا يكون في العبد استحقاق لذلك أصلا ، إذ مع فرض الاستحقاق لا وجه لعدم كون التعذيب المزبور لائقا بالله سبحانه.
وبما ذكرناه ظهر عدم الحاجة إلى ما أجاب به الشيخ رحمهالله عن الإشكال من أن الخصم يسلم الملازمة بين نفي الفعلية والاستحقاق (٤) ، ليرد عليه الوجهان المذكوران في الكفاية (٥) من أن الاستدلال حينئذ يكون جدليا ، ولا يمكن ان يستند إليه الأصولي المنكر للملازمة ، مضافا إلى أن إثبات الملازمة بعيد جدا ، لا يلتزم به أحد ، فانه ربما ينتفي فعلية العذاب في مورد العصيان اليقيني بشفاعة أو توبة أو مغفرة مع ثبوت الاستحقاق فيها بلا إشكال ، وليس ارتكاب الشبهة بأعظم من المخالفة القطعية ، فمن أين تثبت الملازمة بين نفي الفعلية ونفي الاستحقاق.
ثم ان إطالة الكلام في الاستدلال بالآيات والروايات ، أو بحكم العقل بقبح
__________________
(١) التوبة : ١١٥.
(٢) آل عمران : ٧٣.
(٣) الأنفال : ١٨٠.
(٤) فرائد الأصول : ١ ـ ٣٥٩ (ط. جامعة المدرسين).
(٥) كفاية الأصول : ٢ ـ ١٦٧ ـ ١٦٨.