واما الوجوب الطريقي ، فهو أيضا غير متصور في المقام ، لأنه مستلزم للدور ، إذ الوجوب الطريقي هو الّذي يترتب عليه احتمال العقاب ، ويكون منشأ له كوجوب الاحتياط الشرعي الثابت في موارده ، فان احتمال العقاب فيها انما ينشأ من هذا الوجوب المنجز للواقع على تقدير ثبوته ، والموصل له بطريقه ، مثلا إذا رأينا شبحا من بعيد واحتملنا كونه إنسانا فوجوب الاحتياط في النفوس هو الّذي أوجب احتمال العقاب في رميه ، لاحتمال ترتب قتل نفس محترمة عليه.
واما وجوب دفع الضرر المحتمل فاحتمال العقاب مأخوذ في موضوعه ، فلو فرضنا ترتبه عليه على ما هو مقتضى كون الوجوب طريقيا ، لزم الدور.
فتعين ان يكون وجوب دفع الضرر المحتمل إرشاديا ، لا يترتب عليه غير ما كان مترتبا على نفس احتمال العقاب من التحرز والاجتناب ، فان الإنسان بحسب جبلته وفطرته متحرز دائما عما يراه ضررا عليه ولو احتمالا ، وعليه فقبح العقاب بلا بيان يكون واردا على قاعدة وجوب دفع الضرر ، ورافعا لموضوعها ، فمورد كل من القاعدتين مغاير لمورد الآخر بالكلية ، توضيح ذلك : ان التكليف مهما بلغ من الأهمية لا يكون محركا للعبد وان وصل إليه صغرى وكبرى ، وانما المحرك له بعثا أو زجرا هو احتمال العقاب ، واستقلال العقل بحسنه وصحته ، وهذا هو معنى وجوب دفع الضرر المحتمل ، فان الإنسان لحبه بنفسه يحترز عن كل ما يراه مضرا له ، فإذا قطع بثبوت العقاب في مورد أو احتمله ينزجر عنه لا محالة ، وإلّا فمجرد بعث المولى أو زجره الّذي ليس إلّا امرا اعتباريا لا يكون محركا للعبد وان كان واصلا ، فانه لا يتحرك عن تحريك المولى إذا لم يكن فيه ما يرجع إلى نفسه من جلب نفع أو دفع ضرر ، والغالب في التحريك هو احتمال العفو والغفران من الله تعالى ، ولعل هذا هو المراد مما ورد في بعض الاخبار من أن العقل هو الرسول الباطني ، وان من ليس له زاجر من نفسه لا ينفعه زاجر من غيره.