في تنجيز العلم الإجمالي على هذا الترديد حدوثا وبقاء ، فإذا فرضنا ان القضية المنفصلة انقلبت إلى قضيتين حمليتين ، إحداهما متيقنة ولو باليقين التعبدي والأخرى مشكوكة بنحو الشك الساري ، فلا مناص من الانحلال وسقوط العلم الإجمالي عن التنجيز ، والسر في ذلك هو ان تنجيز العلم الإجمالي لم يكن ثابتا بالتعبد ، وانما كان العقل حاكما به لكاشفيته كالعلم التفصيليّ ، فلا بد في تنجيزه من أن يكون علما بالتكليف الفعلي على جميع التقادير ، فإذا زالت كاشفيته بطرو الشك الساري زال التنجيز لا محالة ، كما هو الحال في العلم التفصيليّ بعينه ، ولا ينتقض ما ذكر بما إذا علم بحدوث تكليف جديد في أحد الأطراف معينا ، فانه لا يوجب انقلاب القضية المنفصلة ، بل هي باقية على حالها ، كما لا ينقض بصورة طرو الاضطرار إلى بعض الأطراف ، أو تلفه ، أو امتثال التكليف فيه ، فان العلم بالتكليف الفعلي السابق في جميع هذه الفروض باق على حاله ، غاية الأمر بتحقق أحد هذه الأمور يشك في سقوط ذاك التكليف ، فلا بد من تحصيل اليقين بسقوطه.
وبالجملة إذا كان العلم الإجمالي بحدوث التكليف باقيا على حاله ، وكان الشك في سقوطه لعارض ، كان اللازم تحصيل الجزم بسقوطه ، فان الاشتغال اليقيني يقتضي البراءة اليقينية. واما إذا زال العلم الإجمالي ، وانقلبت القضية المنفصلة إلى قضيتين حمليتين على ما عرفت زال التنجيز أيضا.
إذا عرفت ذلك نقول : الأقوال في ما هو المجعول في الطرق والأمارات ، ثلاثة.
أحدها : ما اختاره المحقق النائيني (١) من انه نفس الطريقية والمحرزية في مقام الإثبات.
ثانيها : ما ذهب إليه صاحب الكفاية (٢) من انه المنجزية والمعذرية.
__________________
(١) فوائد الأصول : ٣ ـ ١٠٦ ـ ١٠٨ ، أجود التقريرات : ٢ ـ ٧٥.
(٢) كفاية الأصول : ٢ ـ ٤٤.