ثالثها : ما نسب إلى المشهور من انه أحكام فعلية على طبق المؤديات ، ويعبر عن ذلك بالسببية.
اما على القول الأول ، فانحلال العلم الإجمالي بقيام الطرق على ثبوت التكليف بمقدار المعلوم بالإجمال في بعض الأطراف أمر واضح ، فان قيام الطريق يوجب العلم بالواقع تعبدا ، وكما تنحل القضية المنفصلة إلى حمليتين بالعلم الوجداني ، كذلك تنحل إليهما بالعلم التعبدي.
واما على القولين الآخرين ، فقد استصعب المحقق النائيني رحمهالله القول بالانحلال (١). والإنصاف ان الاستصعاب في محله إذا قلنا باشتراط منجزية الطرق والأمارات بالوصول ، فان العلم الإجمالي الثابت في أول البلوغ قد أثر اثره من تنجيز جميع المحتملات ، وقيام منجز آخر بعد ذلك على الحكم في بعض الأطراف لا يوجب سقوط المنجز السابق.
وما ذكره المحقق الخراسانيّ رحمهالله في وجه الانحلال من ان الأمارة القائمة على حكم إلزاميّ بمفهومها تنفي تنجز التكليف المحتمل في بقية الأطراف ، فينحصر التنجز بمورد قيام الأمارة ، نظير ما إذا علم إجمالا بنجاسة إناء زيد المردد بين الإناءين ، فإذا قامت الأمارة على كون إناء معين منهما هو إناء زيد كان التنجز منحصرا به (٢) غير صحيح ، ضرورة انه ليس للأمارة المزبورة مفهوم ينفي الحكم عن غير موردها كما كان له ذلك في المثال ، بل غاية ما يستفاد منها ثبوت الحكم في موردها ، وعليه فقيام الأمارة على ثبوت التكليف في بعض الأطراف يكون لغوا ، إذ لا أثر له بعد تنجز الواقع بمنجز سابق وهو العلم الإجمالي. نعم إذا قلنا كما هو الصحيح ان مجرد كون الأمارة في معرض الوصول كاف في تنجزها وان لم تصل ، فيسهل دفع الشبهة ، فان
__________________
(١) أجود التقريرات : ٢ ـ ١٩٣.
(٢) كفاية الأصول : ٢ ـ ١٨٨.