وملاك هذا الحكم العقلي ليس إلّا انطباق عنوان العدل أو عنوان الظلم على الفعل ، ومن الواضح ان هذا العمل المقطوع مبغوضيته بنفسه يكون تعديا على المولى وخروجا عن زي العبودية والوظيفة وظلما عليه ، كما ان العمل المقطوع وجوبه مصداقا للعدل خصوصا إذا كان عملا شاقا وتبين عدم وجوبه بعد الإتيان به.
والظاهر ان ما ذكره مبني على الخلط بين القبح العقلي والحرمة والمبغوضية الشرعية ، ولا ملازمة بين الأمرين ، وسيتضح إن شاء الله ، فانه ربما لا يكون الفعل قبيحا عقلا وهو حرام واقعا كما في موارد الجهل ، وربما ينعكس كما في المقام
وتفصيل الكلام في ذلك : هو انه اختلفت كلمات القدماء في ان حسن الأشياء وقبحها هل يكونان ذاتيين نظير خواص الأشياء وآثارها المترتبة عليها ، أو أنهما بحكم الشرع ومع قطع النّظر عن ذلك ليس في شيء حسن ولا قبح ، أو يكونان بحكم العقل ويختلفان بالوجوه والعناوين؟
والحق من الاحتمالات هو الأخير ، وذلك لأن احتمال كون الحسن والقبح ذاتيا وأمرا واقعيا نظير المصالح والمفاسد ينافي ما نراه وجدانا من اختلافهما باختلاف الوجوه والاعتبارات ، إذ الكذب لو كان منجيا يكون متصفا بالحسن ومع عدمه يكون قبيحا ، وإيلام المولى وهتكه في حد نفسه يكون قبيحا ، وأما لو كان بعنوان إنجائه من القتل يكون حسنا ويمدح عليه فاعله ، ومن الواضح انهما لو كانا ذاتيين كالخواص لم يكونا قابلين للتخلف.
وأما احتمال أن يكونا بحكم الشارع كما عليه الأشاعرة فهو مستلزم لسد باب إثبات نبوة الأنبياء ، وما أخبر الله تعالى به من الوعد والوعيد ، إلى غير ذلك من التوالي الفاسدة المترتبة على إنكار الحسن والقبح العقليين التي لا يمكن الالتزام بها من عاقل ، إذ من الضروري انه لو لا قبح إجراء المعجز على يد مدعي النبوة كذبا لم يكن لإثبات نبوة من يأتي بالمعجز طريق ، إذ لا دافع لاحتمال كذبه ولو أتى بألف