المحسنة والمقبحة لا بد وأن تكون من العناوين الاختيارية ، وعنوان القطع لا يكون كذلك ، فانّ الفاعل إنما يقصد الفعل بعنوانه الواقعي لا بعنوان انه مقطوع الحرمة أو الوجوب أو الخمرية مثلا ، وبهذا العنوان لا يكون مقصودا ، بل لا يكون غالبا ملتفتا إليه (١).
ولا يخفى ما في كلامه قدسسره فانه لا وجه للترقي عما ذكره من أن الفاعل إنما يقصد الفعل بعنوانه الواقعي لا بعنوان ... إلخ ، بقوله : بل لا يكون غالبا ملتفتا إليه ، وذلك لأنّ مراده من عدم كون عنوان المقطوع مقصودا لو كان عدم كونه داعيا له كما هو ظاهر كلامه فهو وان كان صحيحا ، إذ داعي شارب الخمر للشرب ليس إلّا جهة إسكاره لا عنوان كونه مقطوع الخمرية ، ولكن لا يعتبر في الجهات المحسنة أو المقبحة أن يكون داعيا في مقام العمل ، ولذا ضرب اليتيم مع الالتفات إلى انه يتألم ويتأذى يكون ظلما وقبيحا ولو لم يكن بداعي الإيلام والإيذاء ، بل كان بداعي امتحان العصا مثلا ، وان كان المراد عدم كونه ملتفتا إليه فلا وجه للترقي والاستدراك بقوله بل لا يكون ... إلخ ، لأن أحد الأمرين يرجع إلى الآخر. هذا مضافا إلى أن أصل البرهان غير تام ، وذلك لأن الالتفات إلى العناوين الموجبة للحسن أو القبح وان كان معتبرا كما أفاد ولكن عنوان المقطوعية يكون ملتفتا إليه دائما ، غاية الأمر بالالتفات الإجمالي غالبا والتفصيليّ في بعض الموارد ، بل القطع هو الملتفت إليه أولا ومتعلقه يكون ملتفتا إليه ثانيا وبالتبع ، فكيف يمكن أن يكون مغفولا عنه.
واما ما أفاده المحقق النائيني قدسسره من الوجدان فالظاهر ان خلافه وجداني ، وذلك لأنّ المراد من الحسن والقبح في المقام هو العقليان منهما أي إدراك العقل حسن تحسين العقلاء وتوبيخهم فاعل الفعل ، وأن المدح والذم منهم واقع في محله ،
__________________
(١) كفاية الأصول : ٢ ـ ١٣.