ولا يخفى عليك إمكان جريان الأصول العملية مطلقا ، وشمول أدلة جعلها للمقام من غير فرق بين البراءة العقلية والنقليّة والاستصحاب ، وذلك لأن مورد دوران الأمر بين المحذورين قابل لثبوت التعبد الشرعي بترجيح خصوص الحرمة أو الوجوب. ودعوى المحقق النائيني قدسسره بان الشارع حيث لا يتمكن من وضع الإلزام في المقام بإيجاب الاحتياط لا يمكنه الرفع ، فيردها : ان القدرة على الوضع انما تلحظ بالقياس إلى كل من الحرمة والوجوب مستقلا ، لا إليهما معا ، وجعل الاحتياط بالقياس إلى كل منهما أمر ممكن ، بيان ذلك : ان القدرة على كل من الأفعال المتضادة كافية في القدرة على ترك المجموع ، ولا يعتبر فيها القدرة على فعل الجميع في عرض واحد ، ومن هنا ترى الإنسان مع عدم قدرته على إيجاد الأفعال المتضادة في آن واحد كأن يأكل وينام ويشرب يستند ترك جميعها إلى قدرته ، وليس هذا إلّا من جهة قدرته على فعل كل واحد منها بخصوصه ، والشارع فيما نحن فيه وان لم يكن متمكنا من وضع الإلزام بالفعل والترك معا لكنه يستطيع من وضع كل منهما بخصوصه ، ويكفي ذلك في قدرته على رفعهما معا ، وحينئذ لما لم يكن كل واحد من الوجوب والحرمة معلوما كان لشمول حديث الرفع له مجال ، وتكون نتيجة رفع الإلزام بكل من الفعل والترك هو الترخيص في الآخر ، فبالأخرة يكون كل من الفعل والترك مرخصا فيه.
وبذلك يظهر الجواب عما استند إليه المحقق النائيني قدسسره في الوجه الأول ، فان استلزام جعل الحكم الظاهري في المقام للغوية انما يكون مع انحصار الأمر فيه ، وعدم إمكان جعل آخر من الوجوب الظاهري أو الحرمة الظاهرية ، واما مع إمكانه فلا يكون جعل الترخيص في الفعل أو الترك لغوا ، مع انه لو كان دوران الأمر بين الفعل والترك موجبا للغوية الحكم الظاهري لكان جعل الإباحة الظاهرية في غير المقام أيضا لغوا ، وهو ظاهر البطلان.