وبهذا البيان ظهر إمكان جريان الاستصحاب أيضا في دوران الأمر بين المحذورين ، ولا فرق في ذلك بين الأصول التنزيلية وغيرها ، كما لا فرق بين أن تكون الشبهة موضوعية أو حكمية ، مثلا لو علم بوقوع الحلف على السفر أو على تركه ، فلا مانع من استصحاب عدم الحلف على السفر ، واستصحاب عدم الحلف على تركه. وكذا لو علمنا بحرمة عمل أو وجوبه في أصل الشريعة كان استصحاب عدم جعل كل منهما جاريا ، بناء على ما هو الصحيح من جريان استصحاب عدم التشريع.
نعم يبقى الإشكال في الرجوع إلى الأصول العملية في المقام من ناحيتين.
الأولى : ان الرجوع إليها موجب للعلم الإجمالي بكون أحد الأصلين على خلاف الواقع.
والجواب عنه ان هذه مخالفة التزامية ، فلا ضير فيها. واما المخالفة القطعية فهي كالموافقة القطعية مستحيلة في المقام ، والتفكيك في الآثار في موارد جريان الأصول غير عزيز.
الثانية : ان الرجوع إلى الأصول النافية انما يصح عند الشك في أصل التكليف ، وبما انا نعلم في المقام بجنس الإلزام ، فالشك انما هو في المكلف به.
والجواب عنه ان العلم بالإلزام انما يمنع من جريان الأصول فيما إذا كان التكليف المعلوم قابلا للباعثية ، كما إذا دار الأمر بين وجوب شيء وحرمة شيء آخر ، واما إذا دار الأمر بين وجوب شيء وحرمته بعينه فالعلم بوجود الإلزام في حكم عدمه ، إذ الموافقة القطعية كالمخالفة القطعية مستحيلة ، والموافقة والمخالفة الاحتماليتان حاصلتان لا محالة ، فلا أثر للعلم بالإلزام في الجملة أصلا.