حرمة مخالفته كذلك ، ولا مزاحمة بينهما في المقام من حيث حرمة المخالفة القطعية لتمكن المكلف من تركها بالإضافة إلى كل منهما ، وانما المزاحمة بينهما من ناحية وجوب الموافقة القطعية الثابت بحكم العقل لكل تكليف إلزاميّ في نفسه ، وحيث لم يثبت لأحدهما ترجيح بالإضافة إلى الآخر ، فلا وجه لتخصيص أحدهما بذلك ورفع اليد عن حرمة المخالفة القطعية بالإضافة إلى الآخر ، فإذا لا مناص من سقوط وجوب الموافقة القطعية بالإضافة إلى كلا الحكمين ، ووصول النوبة إلى الموافقة الاحتمالية.
ثم لا يخفى انما ذكرناه من عدم تقديم محتمل الأهمية في مفروض الكلام لا ينافي تقديم ما علم أهميته في الواقع ، كما لو حلف على ذبح شاة له في ليلة معينة ، واشتبهت الشاة بالنفس المحترمة لظلمة ونحوها ، فانه لا ريب في عدم ثبوت التخيير للمكلف في مثل ذلك ، بل يجب عليه بحكم العقل تقديم معلوم الأهمية وان استلزم ذلك القطع بمخالفة التكليف الآخر ، والسر فيه ان العلم بأهمية تكليف يستتبع القطع بعدم رضاء الشارع بتفويت ملاكه على كل حال ، ويترتب على هذا العلم القطع بجعل إيجاب الاحتياط في ظرف الشك ، فعند التحقيق تقع المزاحمة بين إيجاب الاحتياط والتكليف الآخر غير الأهم ، فيتقدم إيجاب الاحتياط لأهمية ملاكه. وهذا الوجه لا يجري فيما لم يحرز أهميته في البين ، فان إيجاب الاحتياط الشرعي فيه غير ثابت ، والحكم العقلي بلزوم إحراز الموافقة القطعية قد عرفت انه مشترك فيه بين كل منهما ، فلا وجه للترجيح.
وفذلكة ما تقدم ان الأصول العملية ان كانت جارية في أطراف العلم الإجمالي ، فلا يبقى تكليف منجز ليتعين الأخذ بالأهم عند الدوران بين التعيين والتخيير. وان لم تكن جارية ، فيكون كل من الحكمين منجزا من حيث المخالفة القطعية ، ولا وجه لرفع اليد عن تنجيز أحدهما لأجل احتمال أهمية إحراز الامتثال في الآخر.