القاطع بذلك دائما يرى قطعه موافقا للواقع فيرى ان شربه هذا محكوم بحكمين متماثلين ، فلا يمكن جعل الحرمة لعنوان القاطع بحرمة الشرب أو بخمرية الخمر بعد جعل الحرمة على شرب الخمر الواقعي ، مضافا إلى أنه غير قابل للفعلية والباعثية (١).
هذا ملخص ما أفاده رحمهالله في بيان عدم استتباع قبح التجري للحكم المولوي ، ولكنه غير صحيح.
أما أولا : فلأن في القطع بالموضوع يمكن تصوير مورد الافتراق من الطرفين ، مثلا لو قال المولى ، لا تشرب الخمر «وقال أيضا : «لا تشرب معلوم الخمرية» وفرضنا ان المكلف قطع بخمرية شيء وهو غير عالم بحرمة الخمر الواقعي ولم يصل إليه دليله وإنما علم حكم مقطوع الخمرية فقط يكون حينئذ حكم مقطوع الخمرية فعليا عليه من غير أن يستلزم اجتماع المثلين حتى في نظره وهكذا عكسه ، نعم في مورد العلم بالحكمين معا يلزم ذلك ، فلا بد من الالتزام هناك بالتأكد كما في جميع موارد اجتماع العامين من وجه ، فما أفاده مختص بالقطع بالحكم.
وثانيا : لا ملزم لأن يكون بين موضوعي الحكمين المتماثلين عموما من وجه ، بل يمكن أن يكون بينهما عموم مطلق ، نظير ما إذا تعلق النذر أو الشرط في ضمن العقد اللازم بالواجبات كالصلاة المفروضة فانها حينئذ تكون واجبة من جهتين ، من جهة الأمر الصلاتي ومن جهة الأمر النذري ويكون فيها ملاكهما غاية الأمر نلتزم فيها بالتأكد في مقام الفعلية ، واما في مرحلة الإنشاء والملاك فالتعدد ثابت ، والمقام من هذا القبيل ، فانّ القطع بالحكم وان كان في نظر القاطع لا ينفك عن ثبوته واقعا ولا يمكننا تصوير مورد الافتراق من ناحية القطع بأن يكون هناك قطع بالحكم ولم يكن حكم حتى في نظر القاطع ، وإنما الافتراق يكون من طرف الحكم
__________________
(١) فوائد الأصول : ٣ ـ ٤٥ ـ ٤٦.