رفع اليد عن إطلاق دليل الحجية بالإضافة إلى كل منهما ، فيثبت الحجية تخييرا ، ووافق المحقق الخراسانيّ على ذلك في الخبرين المتعارضين ، فبنى على ان دليل الحجية غير قاصر الشمول لأحدهما بغير تعيين ، وان كان تقريبه لذلك يخالف ما ذكرنا ، إلّا انه موافق في الدعوى لا في الدليل.
وأورد على ذلك المحقق النائيني رحمهالله بما حاصله (١) : ان التقابل بين الإطلاق والتقييد بما انه من تقابل العدم والملكة فاستحالة التقييد يستدعي استحالة الإطلاق وبالعكس ، وحيث ان الإطلاق في محل الكلام ممتنع ثبوتا ، فالتقييد مثله.
والتحقيق : ان ما أفاده قدسسره في المقام ونظائره من استلزام استحالة الإطلاق امتناع التقييد وبالعكس غير صحيح ، فان استحالة التقييد بشيء يستدعي أحد الأمرين ، اما التقييد بعدم ذلك القيد أو ضده ، أو الإطلاق ، كما ان استحالة الإطلاق يستلزم ضرورة التقييد بقيد ما لا محالة ، والوجه في ذلك ما بيناه مرارا من انه يستحيل الإهمال في الواقع ، فلا مناص عن الإطلاق أو التقييد.
واما ما ذكره من ان كون التقابل بنحو العدم والملكة يقتضي ذلك ، فهو مضافا إلى انه لا دليل عليه ، ينتقض بعلم الباري وفقر الممكن ، فان التقابل بين العلم والجهل ، أو الفقر والغنى من قبيل تقابل العدم والملكة ، مع ان العلم فيه تعالى والفقر في الممكن ضروري ، كما ان الجهل فيه تعالى والغنى في الممكن مستحيل.
فالصحيح في الجواب أن يقال : انه لو كان المانع عن جريان الأصول في أطراف العلم بالتكليف الإلزامي هو استلزامه الترخيص في الجمع ، لارتفع ذلك بما ذكر من تقييد كل من الترخيصين بعدم ارتكاب الآخر ، إلّا انه ليس المانع ذلك ، وإلّا لزم الالتزام بشمول أدلة الأصول لجميع الأطراف ابتداء فيما إذا كانت أمورا
__________________
(١) أجود التقريرات : ٢ ـ ٢٤٤ ـ ٢٤٥.