عدم جريان الأصل في بعض الأطراف ولو بقاء فلا يكون مانع آخر عن جريان الأصل في غيره.
قلت : المحذور العقلي كما يقتضي عدم شمول دليل الأصل لكل من الطرفين في زمان واحد يقتضي عدم شموله لهما في زمانين أيضا ، فكما لا يمكن الحكم بحلية أحد الإناءين المعلوم حرمة أحدهما في زمان الحكم بحلية الإناء الآخر ، كذلك لا يمكن أن يحكم بحلية أحدهما في زمان والحكم بحلية الآخر في زمان آخر ، فانه من الترخيص في المعصية ومخالفة الحكم المعلوم لا محالة ، فالعلم بحرمة أحدهما لا بعينه يقتضي سقوط الأصول في جميع الأزمنة ، كان كلاهما موجودا أو كان أحدهما معدوما. والوجه فيه أن الحكم بحلية المعدوم في زمان وجوده لا يجتمع مع الحكم بحلية الآخر في زمان وجود الأول وبعده ، فلا يمكن الرجوع إلى الأصل في كليهما ، للمحذور العقلي ، ولا في واحد منهما لعدم الترجيح ، فلا مناص من تساقط الأصلين بالكلية. هذا في ما كان العلم الإجمالي باقيا على حاله وكان الشك شكا في الانطباق.
واما إذا زال بتبدله بالعلم التفصيليّ بنجاسة أحد الإناءين بخصوصه من أول الأمر ، فالشك في نجاسة الآخر شك حادث جديد ، ولا مانع من شمول دليل الأصل له.
ولا فرق فيما ذكرناه في زوال العلم الإجمالي وانحلاله بين زواله بالوجدان كالمثال المتقدم وبين زواله بالتعبد كما إذا قامت الأمارة على نجاسة أحد الإناءين بخصوصه من أول الأمر ، أو كان ذلك مقتضى الأصل التنزيلي كالاستصحاب ، بل الأمر كذلك في الأصل غير التنزيلي أيضا ، فإذا علمنا بنجاسة أحد الإناءين الأبيض والأحمر ، ثم علمنا بعد ذلك بنجاسة الأبيض أو إناء آخر من أول الأمر ، فالعلم الإجمالي الأول ينحل لا محالة ، فانه بعد العلم الثاني لا يبقى لنا علم بحدوث نجاسة بين الأبيض والأحمر ، إذ يحتمل أن يكون الأحمر هو النجس من أول الأمر ، وقد