وبين المقام إلّا في ان الحرام معلوم فيه تفصيلا ، وفي محل الكلام إجمالا.
وببيان أوضح : ان النجس المعلوم في البين لا يحتمل اضطرار المكلف إلى شربه قطعا ، فلا موجب لارتفاع حكمه ، ومجرد اختيار المكلف رفع اضطراره به لو كان موجبا لسقوط حكمه لوجب الالتزام به فيما إذا كان الحرام متميزا عن غيره أيضا ، ومن الواضح انه لا يلتزم به أحد.
فان قلت : فرق بين المقام وما إذا علم الحرام بعينه ، فان التكليف بالاجتناب عن الحرام مع تميزه في الخارج لا مانع منه بعد إمكان رفع الاضطرار بغيره ، فلا موجب لرفع اليد عن حكمه باختيار المكلف رفع اضطراره به أو بغيره ، وهذا بخلاف المقام ، فان الحرام بعد ما لم يكن متميزا في الخارج ، وكان المكلف مضطرا إلى ارتكاب أحد الأطراف المحتمل انطباق الحرام عليه كان التكليف بالاجتناب عنه بلا فائدة ، فيكون لغوا.
قلت : يكفي في بقاء التكليف وعدم سقوطه بالاضطرار إلى الجامع بينه وبين الحلال لزوم الاجتناب عما لا يرفع اضطراره به ، إذ غاية ما يترتب على الاضطرار إلى غير المعين هو عدم وجوب الموافقة القطعية للتكليف المعلوم في البين ، واما حرمة المخالفة القطعية فلا موجب لرفع اليد عنها بعد التمكن منها كما هو المفروض.
ولتوضيح المقام نذكر أمورا :
الأول : ان الحرام المعلوم في البين يتمكن المكلف من مخالفته ، ولم يطرأ ما يوجب ارتفاعه ، لما عرفت من ان الاضطرار انما هو إلى الجامع بينه وبين الحلال ، لا إلى خصوصه ليرتفع حكمه.
الثاني : انه لا يمكن للشارع الترخيص في ارتكاب جميع الأطراف ، لاستلزامه الترخيص في المعصية ومخالفة التكليف المعلوم ، لما عرفت من حكم العقل