وهكذا يكون القبيح في هذه الصورة أكثر مما إذا كان الفعل في الواقع مستحبا ، واما إذا كان الفعل في نفس الأمر واجبا فيقع التزاحم بين ملاك الوجوب وملاك قبح التجري ، فربما يتساويان ، وربما يكون ملاك الوجوب أقوى فيتقدم ، أو يكون ملاك قبح التجري أقوى فيكون قبيحا ، انتهى.
وأفاد المحقق النائيني رحمهالله ويظهر من كلام الشيخ أيضا (١) ان ما في الفصول مركب من دعاوى ثلاثة :
الأولى : انّ التجري بعنوانه يكون قابلا لأن يختلف قبحه بالوجوه والاعتبارات ، ويمكن اختلاف قبحه بمزاحمته مع العناوين الواقعية.
الثانية : وقوع هذا الأمر الممكن وانّ الجهات الواقعية في الفعل المتجري به يوجب اختلاف مرتبة قبح التجري أو زواله في بعض الموارد.
الثالثة : تداخل العقابين عند مصادفة الفعل المتجري به للمعصية الواقعية وللحرام الواقعي.
وجواب الجميع واضح بعد ما قدمناه ونزيده وضوحا.
أما الأولى ففيه : انّ التجري أعني الفعل الصادر بهذا العنوان يكون بنفسه مصداقا للظلم ، وحكم العقل بقبح الظلم ذاتا يكون من الأحكام العقلية العملية الضرورية ، كما انّ حكمه باستحالة اجتماع النقيضين يكون من الأحكام الضرورية النظرية ، فهو غير قابل للتخلف.
واما الثانية فبطلانها أوضح ، وذلك لأنّ الأمر غير الاختياري لا يمكن أن يكون رافعا لقبح الفعل الصادر قبيحا ، نعم الأمر غير الاختياري يمكن أن يكون مانعا عن صدور الفعل القبيح ، كما لو فرض أن نزول المطر مثلا منع الإنسان من أن
__________________
(١) فوائد الأصول : ٣ ـ ٥٤ ـ ٥٦ ، فرائد الأصول : ١ ـ ٥٧ ـ ٥٨ (ط. جامعة المدرسين).