فانه يقال : الرواية كما نقلت بوجهين في كتب العامة ، نقلت بوجهين في كتب الخاصة أيضا ، فلا وجه لدعوى انجبار أحد الطريقين دون الآخر ، فالمنجبر على تقدير تسليمه انما هو إحدى الروايتين إجمالا ، فلا يصح الاستدلال بخصوص إحداهما مع عدم ثبوت انجبارها. قال المجلسي في باب صلاة العراة من كتاب البحار (١) (وحكى الشهيد رحمهالله في الذكرى (٢) عن شيخه السعيد عميد الدين انه كان يقوى جلوس القائم ليومي للسجود جالسا استنادا إلى كونه حينئذ اقرب إلى هيئة الساجد فيدخل تحت قوله فأتوا به ما استطعتم) ويظهر من هذا الكلام ان الشهيد وشيخه نقلا الرواية بالباء ، وارتضاه المجلسي ، فإذا لم يثبت كون المنقول في كلمات أصحابنا الإمامية كلمة (من).
هذا مضافا إلى ان الانجبار من أصله غير ثابت ، ولو مع اتفاق الناقلين على نقل الرواية مشتملة على كلمة (منه) ، فان شهرة الاستدلال بالرواية الضعيفة في كلمات جماعة من المتأخرين مع عدم انحصار المدرك فيها لا يكشف عن استناد المشهور إليها في مقام العمل ، ومعه لا يحصل الوثوق بصدور الرواية ليدخل في موضوع الحجية ، ولا سيما مثل هذه الرواية التي راويها أبو هريرة ، المعلوم حاله في تعمده الكذب ، ومن أراد الاطلاع على ذلك فليراجع محاله.
وثانيا : فلأنا وان سلمنا ان الظاهر من تركيب الجملة المستدل بها للمقام هو حمل كلمة «من» على التبعيض ، وكون كلمة «ما» موصولة ومفعولا به للإتيان ، إلّا ان هذا المعنى لا ينطبق على مورد الرواية ، فان السؤال فيه عن لزوم تكرار الحج وعدمه ، ومن الظاهر ان لزوم الإتيان بالمقدار المستطاع من أجزاء المركب الواحد
__________________
(١) بحار الأنوار : ٨٣ ـ ٢١٤. كذلك راجع مجلد ٢٢ ـ ٣١.
(٢) ذكرى الشيعة : ٣ ـ ٢٣.