الأولى : فيما إذا كان الواجب واقعة واحدة شخصية ، ولم يكن له أفراد طولية ولا عرضية ، كما إذا ضاق وقت العمل ، ولم يتمكن المكلف إلّا من صلاة واحدة ، ودار أمره بين الصلاة عاريا أو في الثوب المتنجس. والحكم فيه هو التخيير ، فان الموافقة القطعية متعذرة ، فتنتهي النوبة إلى الموافقة الاحتمالية ، وقد مر الكلام في كبرى ذلك في ما تقدم.
الثانية : ما إذا كانت الوقائع متعددة ، ولم يكن للواجب أفراد دفعية ولا تدريجية ، كما إذا دار أمر شيء بين كونه شرطا في الصوم ، أو مانعا عنه ، فان أفراد الصوم بما أنها متعددة فالإتيان بذلك الشيء في يوم وتركه في يوم آخر موجب للمخالفة القطعية ، وقد مر أن العقل يحكم بقبح المخالفة القطعية ولو كانت تدريجية ، حتى مع العلم بالموافقة القطعية أيضا من جهة ، فالحكم في مثله هو التخيير ابتدائيا ، فيختار الفعل في جميع الوقائع ، أو الترك كذلك ، وقد مر تفصيل الكلام فيه.
الثالثة : ما إذا كان الواجب واحدا له أفراد طولية ، بحيث يتمكن المكلف من الإتيان بفرد ثم الإتيان بفرد آخر ، فهل الحكم في مثل ذلك هو التخيير أيضا ، أو أنه لا بد من الاحتياط ، والإتيان بالعمل مع ذلك الشيء مرة ، ومع عدمه أخرى؟ ظاهر شيخنا العلامة الأنصاري قدسسره ابتناء المسألة على النزاع في دوران الأمر بين الأقل والأكثر ، فعلى القول بالاشتغال هناك لا بد من الاحتياط في المقام ، وعلى القول بالبراءة فيه يحكم بالبراءة في المقام ، فان العلم الإجمالي باعتبار وجود شيء أو عدمه لا أثر له بعد عدم تمكن المكلف من المخالفة العملية ، لدوران أمره بين الفعل والترك ، فلم يبق إلّا الشك في الاعتبار ، وهو مورد لأصالة البراءة (١).
وقد أورد عليه المحقق النائيني رحمهالله. بما حاصله (٢) : أن المأمور به إذا كان طبيعيا
__________________
(١) فرائد الأصول : ٢ ـ ٥٠٢ ـ ٥٠٣ (ط. جامعة المدرسين).
(٢) فوائد الأصول : ٤ ـ ٢٦١ ـ ٢٦٢.