يفحص بمقدار يحصل له القطع بعدم الدليل ، أو يكتفي فيه بالظن ، أو لا بد من حصول الاطمئنان بالعدم؟ فيه وجوه. والأظهر هو الأخير. أما عدم اعتبار الظن فلعدم الدليل عليه. واما عدم لزوم تحصيل القطع فلأنه مستلزم للعسر والحرج ، مضافا إلى عدم الدليل عليه ، فيتعين الأمر في الاحتمال الأخير ، وهو كفاية الاطمئنان المعبر عنه بالعلم العادي ، فانه حجة ببناء العقلاء ، ولم يردع عنه ، وهو يحصل بالفحص عن مظان وجود الدليل وعدم وجدانه فيها.
الأمر الثاني : بعد ما عرفت أن وجوب تعلم الأحكام الشرعية مما لا ريب فيه ، قد وقع الإشكال في أنه طريقي لا يترتب العقاب عند تركه إلّا على مخالفة الواقع على تقدير وجوده كما هو المشهور ، أو أنه نفسي والعقاب على تركه ولو لم يصادف الواقع ، كما عن المحقق الأردبيلي وصاحب المدارك ، وقد مال إليه صاحب الكفاية (١) أيضا في آخر كلامه؟ والظاهر هو الأول ، إذ لا دليل على كونه نفسيا إلّا ما يتوهم من كونه مقتضى ظهور الأوامر المتعلقة بالتعلم ، ولكن الظاهر منها كون التعلم مقدمة للعمل ، كما هو صريح الرواية المزبورة الواردة في تفسير قوله عزّ شأنه (فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ) ، وعليه فلو ترك التعلم ولم يتحقق مخالفة الواقع أحيانا لا يستحق العقاب إلّا من جهة التجري.
ثم إنه ربما يشكل في وجوب التعلم فيما إذا كان الواجب مشروطا بشرط غير حاصل ، ولم يكن المكلف متمكنا من الإتيان به في ظرفه ، لتركه التعلم من جهة أنه في ظرف إمكان التعلم لم يثبت وجوب الواجب ليجب تعلمه ، وفي ظرف حصول الشرط لا قدرة على الامتثال. ولعل هذا الإشكال هو الّذي أوجب القول بالوجوب النفسيّ ، فلا مناص من تفصيل الكلام لتحقيق الحال في المقام فنقول : قد يكون
__________________
(١) كفاية الأصول : ٢ ـ ٢٥٩.